تأمل معايا الصورة دي ..
شايفها؟ هي عبارة عن مجموعة اجانب ملهومش وزن اوي في مجتمعهم، مجتمعين من ١٢٦ سنة، هل الصورة دي لها اي تأثير عليك؟ هل كانت مؤثرة بأي حال من الاحوال؟ مظنش ..
الاجتماع ده حضره ٢٠٠ واحد بس هما اللي في الصورة، من ١٧ دولة متفرقة كلهم من شرق اوروبا اللي هوا الجانب الفقير لاوروبا، بولندا على استونيا على مش عارف ايه، منهم ٦٩ مندوبين عن جالياتهم والباقي افراد ومدعوين عاديين، عشان يناقشوا فكرة كانت بعيدة اوي وقتها، فكرة مستحيلة تحصل، فكرة روائية، زي الحلم البعيد كدة.
- الرجوع لارض الاجداد.
فكرة المؤتمر نفسها قايمة على ان فيه مجموعة من البشر زمان، في كتاب الدين مش التاريخ حتى، كانت بتجمعهم افكار واحدة، إثنيات عاشوا من الاف السنين على ارض ما، لفترة زمنية معينة ومشيوا، وبعدين جه احتلال طردهم من الارض، وفرق شملهم ..
دا كلامهم، على الرغم من ان التاريخ بيقول غير كدة، والحقائق بتقول غير كدة، والحفريات بتقول غير كدة، ومفيش اي دليل اثري عالكلام ده، لكنهم كانوا مقتنعين بده وصدقوه ..
اما عنهم هما، فهما عاشوا وتزاوجوا مع باقي الشعوب، واللي بقوا اوروبيين واللي بقوا لاتينيين على عراقيين وهكذا، بقوا اجزاء من المجتمع، في دول العالم كله محدش فيهم يعرف التاني، جزء من تركيبة الدولة الحاضنة السكانية، وكانوا عايشين كجاليات متفرقة دايبين في قلب المجتمعات بنفس اللغة والعادات تجار على عمال على اصحاب بنوك، لحد القرن ال١٩، لما القومية في اوروبا صعدت بعد ثورة فبراير الفرنسية، وبقا كل مجموعة من الناس هناك بيدوروا على قومية رمزية ليهم ..
- احنا كمان اتأثرنا بيها، والقومية المصرية صعدت سنة ١٩١٩م وبسببها مالت مصر استقلالها ..
بس المشكلة مش في القومية، المشكلة في عمك صاحب فكرة المؤتمر ده، الاخ كان صحفي مجري عايش في النمسا، مجرد صحفي عاش فترة القوميات دي، شاف حادثة عنصرية في فرنسا وشاف صعود القومية وجتله الفكرة واقتنع بيها، وبدأ يروجلها، ان اللي هوا مؤمن بيه قومية مش دين، وراح جمع كام واحد على حسابه الشخصي، يعني دفع من جيبه، وعمل بيهم مؤتمر في اخر الدنيا، في سويسرا يا معلم ..
بس لان ده كان اي كلام، الحاضرين نفسهم كانوا مقسومين، نص عندهم لامبالاه ودنيتهم ماشية ومش عايزين يهاجروا، والنص التاني كانوا رافضين الفكرة من الاساس، ليه؟ عشان فيه منهم عمال وبقا ليهم مطالب وحقوق في اوروبا، فا انتا جي عشان تجمعنا وتحطنا على ارض جديدة مش متأكدين من تاريخنا فيها اصلا؟ والرجوع المقصود هيكون في اخر الزمان؟ دا حتى لما سافر يقابل السلطان ويطلب منه حتة ارض، اتقاله في وشه لأ، وش كدة.
يعني كان مؤتمر تافة اتهرى تريقة وقتها، ومكنش مؤثر ابدا لا من قريب ولا من بعيد، اللهم الا شوية كتابات هنا وهناك، كام فقير بيحلم ان نبوءة دينه تتحقق، بل وتم رفض المؤتمر من جميع الاوساط الفقراء قبل الاغنياء، ومحدش من اخواتنا كان يتصور ان حاجة تحصل، مجرد فكرة ساذجة وحلم بعيد ومؤتمر محضروش عدد كبير يعني وشوية افكار تافهة بيروج لها مجموعة من الاثنيات الصغيرة في قارة اوروبا، هيحصل ايه يعني!؟ ومات صاحب المشروع من غير ما يحقق اي حاجة ..
والنتيجة؟؟
الراجل بقا تاريخيا اسمه "صاحب الرؤية"، صورته متعلقة في اكبر محافل العالم، موجات من الهجرة خلال قرون، اهالينا بيرحبوا بيهم كنوع من الانقاذ،
ثم كانت الطامة الكبرى، وعد من لا يملك لمن لا يستحق، حرب كبيرة، بلد كاملة راحت وتم استيطانها بالكامل من بعض المهاجرين الاوروبيين، اصحاب الارض نفسهم بقوا لاجئين فيها وبراها، او مجبورين يعيشوا تحت علم مش علمهم، كل شوية يضربوا فيهم ومسميينهم "مثيرين شغب"، اجبروهم يتكلموا بلسان مش لسانهم، سابوا بيوتهم وعاشوا في الشتات في دول العالم متفرقين، وبيوتهم نفسها بقت انقاض وطلعت مكانها مدن جديدة، ومستوطنات جديدة، بأسماء بحروف غير عربية..
بص عالصورة كويس اوي وتأمل فيها ..
تخيل في يوم من الايام، واحد من غرب إفريقيا بيحارب من فلوسه وجيبه عشان فكرة قد تبدو بعيدة او حلم، يصدق اكاذيبه ومحدش من المجتمع العلمي يرد عليه، تفضل افكاره تكبر وتنتشر بين العامة، والفكرة اللي هيا غلط من الاساس بقا ليها مدافعين، وممولين، وافلام تسجيلية، وملايين المشاهدات، وخرجت الفكرة من الطور الاكاديمي وبقا يتعمل عليها افلام وتقوم بسببها خناقات دولية ..
الشخص الغرب إفريقي ده في يوم هينظم مؤتمر بعيد في ارض بعيدة يحضره ٢٠٠ ولا ٣٠٠ واحد، نصهم بردو هيرفض الفكرة، بس الفكرة هتكبر اكتر وتنتشر يوم بعد يوم ..
لما تقوم حادثة عنصرية تانية في امريكا ولا اوروبا ويقرر الافرو-امريكان انهم يتكلموا عن انهم لازم يرجعوا لأرض الاجداد، ولان هجرتهم هتيجي في الصالح الغربي، وقتها الحلم هيكون اسمه "حق العودة"، هيرجعوهم ارضهم "على حد ظنهم"، وييجوا هنا ارض اجدادهم زي ما بيدعوا وزي ما ولاد العم ادعوا في يوم من الايام، بوعد من رئيس امريكا زي ما كان وعد من بلفور زمان، ومش جديدة عليهم عملوها قبل كدة في مستعمرة "ليبيريا" في افريقيا، اللي كلها عبارة عن امريكان "افرو" ..
- ويعلنوا قيام الدولة السمراء المصرية ..
تخيل الفكرة تكبر، وتبدأ موجات هجرة، ثم كام سنة ويبدأ تدخل الناتو والامم المتحدة، فوضى هنا وهناك، ويخرجوك من بيتك عشان ترجع تعيش في تركيا او الشام زي ما بيقولوا عليك كمحتل، والناتو يشجب، والطيران يحمي، والدول العربية تنهزم، ومصر تتقسم، ويقولك حق العودة وحق المش عارف ايه ..
وتلاقي نفسك في سنة من السنين خارج بالليل مع عيالك في الشتا والمطر، مش عارف تلم ايه ولا ايه، مطلوب منك تسيب كل حاجة وتاخد شنطة واحدة وتقعد في مجموعات يحرسها قوات حفظ السلام، وبعدين بعد ما يتجمع عدد كبير من الحي اللي انتا ساكن فيه، هتاخدها مشي، من القاهرة مرورا بسيناء على رجلك لانك هربان لاجيء، شايل شنطتك وبنتك على ايدك، نزوح عام وطرد من بلدك اللي مبقتش بلدك، بيموت في السكة كل شوية واحد من التعب، وانتا مكمل، ولو محظوظ هتوصل الاردن في مخيم هناك تعيش فيه باقي عمرك، او لبنان، او تعبر البحر وتوصل اوروبا والمانيا ..
هتلاقي نفسك محتفظ بمفتاح بيتك القديم في مخيم للاجئين في لبنان او ليبيا، شايف في التليفزيون ناس تانية عايشة مكانك وعاملين احتفالات بالنصر، ووطنك بقا اسمه القضية، واللي فضل عايش فيها بقا يتكلم سواحيلي، ومعاه باسبور جديد واسمهم عرب ٢٠٣٠ مثلا، وانتا مستني في المخيم بتوع حقوق الانسان ينزلولك طبق رز ولا شوية مية نضيفة، او دوا عشان ابنك العيان ..
او لو حظك حلو اوي وكان معاك قرشين، هتروح تعيش في تركيا او اليونان او قبرص او ايطاليا، تفتحلك محل كشري صغير جميل تسميه "كشري التحرير الاصلي"، وطول الوقت هتبقا مشغل اغاني عبد الحليم وام كلثوم عشان تضفي الجو المصري علي المحل، وتفتكر ذكريات الماضي ايام ما كنت عايش على ارضك زمان في سلام وسط اهلك، وتكتم الدمعة عشان مينفعش حد من الزباين الاجانب يشوفك بتعيط.
مع مطالبات كتير بإجلائك من بلدهم لانك بتسرق خيرهم، وعايش على افاهم، وشوية شباب سكرانة تعدي عليك تضرب عليك نار وهما بيقولوا "ارجع بلادك" ويضحكوا ويمشوا، وشبكات اخبار يمينية بتطالب انك تمشي، وتبقا خايف كل انتخابات ان واحد يميني يصعد، وتتشرد للمرة التانية.
بص عالصورة كويس، تأملها، واعرف ان كل الحركات اللي غيرت التاريخ للاسوأ، بدأت كفكرة بعيدة مرفوضة، وانتهت بكوارث حقيقية.
وشكرا ❤️