عيد الجلاء.. مصر تستعيد ذكرى «يوم تاريخي» برحيل الاستعمار البريطاني
في ذكرى جلاء آخر جندي بريطاني عن مصر، بعد توقيع اتفاقية الجلاء في الثامن عشر من يونيو/ حزيران 1956، تستعيد مصر سنوات من الكفاح والنضال في مواجهة دولة الاحتلال (بريطانيا العظمى) والتي بدأت منذ موقعة أبي قير البحرية ضد الفرنسيين، 2 أغسطس/ آب 1798 ليبدأ دخول الإستعمار البريطاني لمصر عقب فشل الثورة العرابية ( بقيادة أحمد عرابي باشا) في العام 1881 ، ويسجل تاريخ 1882 احتلال بريطانيا العظمى لمصر.. ومع قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 بقيادة تنظيم الضباط الأحرار، كان هدفها الرئيسي تطهير الأراضي المصرية من الاحتلال الإنجليزي.
وتحتفل مصر، اليوم، بعيد الجلاء، وخروج آخر جندى بريطانى من مصر، بعد 74 عاما ذاقت فيها مصر مرارة الاحتلال الإنجليزي، واستنفزت فيها ثرواتها وخيراتها، وراح فيها مئات من الضحايا، وعاني فيها الشعب المصري من سطوة جنود الاحتلال، ومن «الغربة » في الوطن، ومن ثلاثية الفقر والمرض والجهل، وترهلت صحة مصر اتي تراجعت طويلا عن دورها الحضاري، وأصبحت تابغة تدور في فلك الاستعمار البريطاني.
حتى جاء يوم رحيل جنود الجيش البريطاني عن الأرض المصرية، وفقًا لما نصت عليه اتفاقية جلاء الإنجليز عن مصر، التي وقعها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مع اللورد «ستانسجيت»، في 19 أكتوبر/ تشرين أول عام 1954، ليتم تنفيذها في 18 يونيو/ حزيران 1956. وتم تنفيذ الاتفاقية بخروج 80 ألف عسكري إنجليزي من منطقة تمركز في قناة السويس، على خمس مراحل، مدة كل مرحلة أربعة أشهر تنتهي بعد 20 شهرًا كاملة، حتي جلاء آخر جندي إنجليزي، وأزالت القوات البريطانية أعلامها من آخر نقطة لها في مصر، وهو مبنى البحرية في بورسعيد، وهو أول مبني قاموا باحتلاله عام 1882، ليكون بذلك يوم الخروج عيدا قوميًا تحتفل به مصر كل عام وسمي «عيد الجلاء».
ومن المواد التى جاءت فى نص الاتفاقية التى تمّ توقيعها عام 1954:
- 1ـ تجلو قوات صاحبة الجلالة جلاء تاماً عن الأراضي المصرية
- 2 ـ تعلن حكومة المملكة المتحدة انقضاء معاهدة التحالف الموقع عليها في لندن في السادس والعشرين من شهر أغسطس/ آب سنة 1936
- 3 ـ تبقى أجزاء من قاعدة قناة السويس الحالية. وهي المبينة في المرفق بالملحق الرقم (2) في حالة صالحة للاستعمال ومعدة للاستخدام فوراً
- 4 ـ في حال عودة القوات البريطانية إلى منطقة قاعدة قناة السويس وفقاً لأحكام المادة (4)، تجلو هذه القوات فوراً بمجرد وقف القتال المشار إلية في تلك المادة.
وقام الزعيم الراحل عبد الناصر برفع علم مصر على المبنى فى 18 يونيو 1956، ليتوافق مع يوم إعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953.
وتستعيد ذاكرة مصر، رحيل الاستعمار البريطاني، عن أرض مصر، بعد 73 عاماً، و9 أشهر، و7 أيام، بعد أن نجحت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، فى توقيع اتفاقية الجلاء ويرجع تاريخ احتلال بريطانيا لمصر منذ صيف 1882، بعد انعقاد مؤتمر بإسطنبول، قررت فيه بريطانيا ضرورة السيطرة على مصر، والتحكم فى قناة السويس، وعندما قاطع المؤتمر، السلطان العثمانى عبد المجيد، لرفض ذلك التوجه، قررت بريطانيا احتلال مصر منفردة، وبدأ الأسطول البريطانى بقصف الإسكندرية فى 11 يوليو/ تموز 1882، وتم اقتحامها والتقدم للقاهرة. وحينها، أعلن الزعيم أحمد عرابى التعبئة، واشتبك الجيش المصرى فى عدة معارك، آخرها التل الكبير، التى هُزم فيها عرابي، واحتلت بريطانيا مدن القناة؛ بورسعيد والإسماعيلية والسويس، وظل الاحتلال البريطانى لمصر حتى عام 1934 مع إعلان «الاستقلال الوهمي» لمصر..ورغم إعلان بريطانيا استقلال مصر، إلا أنها ظلت، فعلياً، تحت الاحتلال، بوجود قوات من الجيش البريطاني، فى عدة مناطق، مع استمرار سيطرتها على منطقة قناة السويس.
وشهدت فترة الاحتلال الإنجليزى العديد من الثورات، كان أهمها ثورة 1919، بقيادة الزعيم الراحل سعد زغلول، وصولاً إلى ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952، وكان ذلك الاحتلال سبباً لوضع مصر تحت أعين القوى العظمى، فى جميع الأوقات، نظراً لموقعها الجيوستراتيجي، وصارت، منذ ذلك الحين، مطمعاً للجميع، وظهر ذلك من حرص هتلر، إبان الحرب العالمية الثانية، على احتلال مصر، لحرمان إنجلترا من طريق المواصلات إلى الهند، وسيطرتها على قناة السويس، وتشير بعض المراجع البريطانية لأن أسباب حرب السويس، عام 1956، تعود لشعور بريطانيا بالخطأ فى عقد اتفاقية الجلاء عن مصر.
لذلك جاء القرار سريعاً، إذ استغلت بريطانيا رغبة كل من فرنسا فى الانتقام من مصر، بسبب مساعدتها لثورة الجزائر، ورغبة إسرائيل فى الرد على هجمات الفدائيين، وجمعت تلك العناصر للعدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر/ تشرين اول من نفس العام، 1956.
- لذلك ستظل مصر، دائماً، تفخر بأنها أخرجت القوات الإنجليزية من أرضها، وستظل صورة الرئيس الراحل عبد الناصر، وهو يرفع العلم المصرى على مبنى قناة السويس، يوم 18 يونيو/ حزيران 1956، بعد رحيل آخر جندى بريطاني، رمزاً من رموز الكرامة والفخر لمصر.
ويقول أستاذ العلوم السياسية، الكاتب والسياسي المصري، د. أسامة الغزالي حرب، اليوم – 18 يونيو/ حزيران – هو عيد الجلاء، ولا أعرف من وكم من الأجيال الجديدة يعرف هذا اليوم، ولا أتذكر متى توقف بالضبط الاحتفال بالمناسبة، ولكننى أتمنى أن نعود للاحتفال بها، خلال استذكار ذلك اليوم فى الصحف ووسائل الإعلام، وبالطبع فى المدارس.. وللعلم فإن يوم الجلاء هو مناسبة كانت تحتفل بها بعض المدارس العامة فى بعض الولايات فى الولايات المتحدة مثل ماساتشوستس (فى مدن مثل بوستن، وتشيلسي) يوم 18 مارس/ آذار، ومثل نيويورك فى احتفالها بجلاء آخر جندى بريطانى فى نوفمبر/ تشرين الثاني 1883.. وهكذا يبدو أن النصيب الأوفر من الاحتفالات بالجلاء يتعلق بالاستعمار البريطاني، ولا غرابة فى ذلك، ألم تكن هى الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس.