- إنضم
- 18 نوفمبر 2021
- المشاركات
- 15,001
- مستوى التفاعل
- 69,265
- النقاط
- 43
- المستوي
- 11
- الرتب
- 11
- الإقامة
- مصر العظيمة
لندنستان.. خفايا توطين الإسلام السياسي في بريطانيا
ديسمبر 19, 2021
شكل الملاذ الآمن لعناصر الإسلام السياسي في العاصمة البريطانية لندن حالة من التساؤل في الصالونات السياسية حول العالم، حتى أصبح مصطلح “لندنستان” يسرد في أعلى الدوريات السياسية رصانة واحترافية، ودخل المصطلح قواميس علوم السياسة واللغة الإنجليزية.
إن فكرة تأسيس طابور خامس داخل الدين الإسلامي ومجتمعات المشرق من الهند وحتى غرب أفريقيا -وإن كانت فكرة أوروبية عامة منذ الحروب الصليبية الأولى- إلا أن بريطانيا هي أفضل من طور وأنتج تلك الفكرة بحلول القرن الثامن عشر؛ فلا عجب أن تكون أعتى التنظيمات الإسلامية قد خرجت من مصر وإيران والهند، الدول الثلاث التي احتلتها بريطانيا وأنتجت في مجتمعاتها الجماعات الإرهابية التي أصبحت لاحقًا مسؤولة عن حراسة الجهل والهمجية في تلك المجتمعات.
وبحلول الأربعينات وصعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، تسلمت واشنطن ملف الإسلام السياسي، وأنتجت رؤيتها الخاصة عبر تأسيس التنظيم الدولي للإخوان بوصفه المظلة التي تحتضن كافة جماعات الإسلام السياسي، تلك التنظيمات التي لا تنتمي إلى اليمين أو اليسار كما يحاول البعض نسبها، ولكن واقع الأمر أن الإسلام السياسي ما هو إلا جماعة وظيفية تقوم بمهام مكلفة بها لصالح من يدفع ويمول فحسب.
وعقب انتهاء الحرب الباردة التي لعبت فيها الجماعات الوظيفية الإسلامية دورًا مهمًا في تركيع الاتحاد السوفيتي في حرب أفغانستان، وصناعة الفوضى والثورات الملونة في الجنوب السوفيتي المسلم وآسيا الوسطي والبلقان والقوقاز، كان هناك صراع حقيقي بين أقطاب الغرب على استقطاب العناصر الإسلامية التي امتلكت تلك الخبرات الميدانية والتنظيمية خلف حدود الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا.
بنك أهداف توطين الإسلام السياسي في لندن
وبحسب كتاب “التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين” للمؤرخ البريطاني مارك كورتيس Secret Affairs: Britain’s Collusion with Radical Islam فإن بريطانيا قررت أوائل التسعينات أثناء وزارة جون ميجور زعيم حزب المحافظين توفير ملاذات آمنة لعناصر الجماعات الإسلامية في العاصمة لندن من أجل بنك كامل من الأهداف يشمل:1 – توفير الحماية القانونية:
الملاذ الآمن لعناصر الإسلام السياسي يوفر لهم الحماية من الملاحقة القانونية التي تسعى إليها الدول المتضررة من إرهاب تلك العناصر، خاصة أن بعض دوائر الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترى بريطانيا قد عملت مع الإسلاميين بعيدًا عن التنسيق الأنجلوساكسوني بين المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية. وكان هنالك مسعى أمريكي لتوقيف عدد من الإسلاميين الموالين لبريطانيا من أجل استجوابهم حول العمليات البريطانية السرية خلف خطوط الكتلة الشرقية التي جرت دون علم الولايات المتحدة الأمريكية
وقد استخدمت بريطانيا الإسلام السياسي مرارًا ضد الغريم التاريخي ألا وهي فرنسا، وكانت السلطات الفرنسية بدورها تسعي إلى توقيف العشرات من الإسلاميين الموالين لبريطانيا. هكذا أصبح هؤلاء الإرهابيون هم خزينة أسرار والصندوق الأسود للغرب عمومًا وبريطانيا خصوصًا في مسألة توظيف الجماعات الإسلامية في الحرب الباردة ضد الكتلة الشرقية عمومًا والاتحاد السوفيتي على وجه التحديد.
2 – الاستفادة من بيزنس الإسلام السياسي:
أدى توطين الإسلام السياسي في بعض دول أوروبا الشرقية مثل ألمانيا الشرقية ونصب محطة كبرى لهم في ألمانيا الغربية إلى تضخم دور الإسلاميين الأوروبيين تحت مظلة التنظيم الدولي في عمليات غسيل الأموال تحت مسمى شبكات الزكاة بين المسلمين في أوروبا أو تبرعات أثرياء الخليج، كما عمل الإسلاميين في شبكات الجريمة المنظمة عبر توظيف بعض العناصر الإرهابية في بعض العمليات الإجرامية بين “بارونات” الجريمة في القارة الأوروبية.
وعمل بعض الإسلاميين أيضًا في شبكات الرقيق الأبيض، وتهريب والإتجار بالبشر والآثار والمخدرات وبعض العمليات الإرهابية البيولوجية، وهو الدور ذاته الذي قام به إسلاميو الربيع العربي حينما سيطروا على بعض أجزاء من سوريا والعراق واليمن وليبيا في القرن الحادي والعشرين.
3 – إعادة توظيف الإسلام السياسي كلما انتهى دوره:
كانت هناك خطة للغرب من أجل نقل الإرهاب الأفغاني من الجمهوريات السوفيتية السابقة إلى داخل الجمهورية الروسية الفيدرالية عبر بوابة القوقاز بوجه عام والشيشان بوجه خاص. وبعد النجاح في تفكيك الاتحاد السوفيتي، حان وقت تفكيك الاتحاد اليوغوسلافي، وبحلول عام 2001 كانت يوغوسلافيا قد لحقت بالاتحاد السوفيتي بعد أن حقن الغرب الجمهوريات اليوغوسلافية المسلمة مثل البوسنة وكوسوفو بفيروس الإسلام السياسي.
وتم تسويق تلك المظلومية في العالم الإسلامي بأنها حملة صليبة صربية ضد الإسلام، رغم حقيقة أنها سلسلة من التمردات العرقية ويكفي القول إن صربيا قد قامت بالجرائم ذاتها حيال قوميات كرواتيا وسلوفينيا حينما انتفضت للاستقلال عن يوغوسلافيا.
4 – استمرار سياسة فرق تسد
وهي السياسة التي بدأتها بريطانيا بين التيار القومي والتيار الديني، وبين العرب واليهود في فلسطين إبان الانتداب البريطاني، وكانت النسخ الجديدة هي: دعم الإسلاميين في وجه الحكومات الصديقة في مصر والسعودية والجزائر وباكستان.
وتعود فكرة توطين الإسلاميين في لندن تحديدًا إلى سنوات حكومة زعيم حزب العمال الاشتراكي هارولد ويسلون عام 1965، ووصلت للذروة في سنوات زعيمة حزب المحافظين مارجريت تاتشر وحكومتها التي استمرت ما بين عامي 1979 و1990.
وعقب انتهاء الحرب الباردة، استقبلت لندن 2000 عنصر ينتمون إلى 200 شبكة إسلامية حول العالم، وذلك من أجل تأسيس قاعدة ومركز عالمي للإسلام السياسي في بريطانيا.
وبحسب الكتاب المشار اليه، فإن كافة الإسلاميين أو العناصر المعارضة للحكومات الأجنبية الذين يحصلون على إقامة مؤقتة أو دائمة على الأراضي البريطانية هم على اتصال مع المخابرات البريطانية ويعملون تحت بند “العملاء”، ولهم تاريخ طويل، ليس في التعامل مع البريطانيين فحسب، ولكن أيضًا في الوشاية بالعناصر الإسلامية أو غير الإسلامية التي تخرج عن الخطوط العامة للأجندة البريطانية. فالعميل البريطاني هنا لا يكتفى بتنفيذ الأجندة البريطانية، ولكنه مرشد وجاسوس على رأس كافة زملائه إذا ما فكر أحدهم في العمل لحسابه أو لصالح دولة أخرى تستغل الإسلام السياسي بشكل مخالف للرؤية البريطانية.
كيف تحمي المخابرات البريطانية عملاءها الإسلاميين؟
في صيف 1995، شهدت العاصمة الفرنسية باريس سلسلة من الأعمال الإرهابية؛ في 25 يوليو 1995، انفجرت عبوة ناسفة في محطة سان ميشال التابعة لمترو أنفاق باريس، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 80 آخرين.وفي 17 أغسطس 1995، انفجرت قنبلة في قوس النصر وأصابت 17 شخصًا، وفي يوم 3 سبتمبر1995، تعطلت قنبلة في أحد ميادين باريس، مما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص، وفي 7 سبتمبر 1995، انفجرت سيارة مفخخة في مدرسة يهودية بمدينة ليون وأصابت 14 شخصًا.
وفي 6 أكتوبر 1995، انفجرت عبوة ناسفة في محطة البيت الأبيض من مترو باريس وأصابت 13 شخصًا، وفي 17 أكتوبر 1995 انفجرت عبوة ناسفة بين متحف أورسيه ومحطة سان ميشال نوتردام، حيث أصابت 29 شخصًا.
أثبتت التحريات الفرنسية أن خلية تابعة لتنظيم الجماعة الإسلامية المقاتلة الجزائرية تقف خلف الأمر، وقدمت السلطات الفرنسية اعترافات رسمية إلى السلطات البريطانية تفيد بأن الإرهابي المقيم في بريطانيا رشيد رمضة Rachid Ramda قد دخل فرنسا وشارك في ترتيب وتنفيذ العمليات قبل أن يفر إلى لندن.
ماذا فعلت السلطات البريطانية؟ بحسب الكتاب المشار إليه فإن المخابرات البريطانية لفقت تهمة للإرهابي الجزائري من أجل التحفظ عليه في مكان آمن في لندن عشر سنوات كاملة، قبل تسليمه إلى فرنسا عام 2005، بعد أن أصبح ورقة محروقة وبعد أن هدأ الغضب الفرنسي من الإرهاب القادم من لندستان.
كان يمكن لتسليم رشيد رمضة فور الانتهاء من التحقيقات الفرنسية عام 1995 أن يكشف أوراقًا بريطانية، وأن يجهض اعمالًا إرهابية تعرضت لها فرنسا لاحقًا والعالم بأسره على ضوء انتماء رشيد رمضة إلى شبكات التنظيم الدولي للإخوان وتنظيم الإخوان في الجزائر ولاحقًا شبكة القاعدة، ولكن كل ذلك كان مرغوبًا فيه غربيًا بوجه عام وبريطانيًا بوجه خاص.
لذا وعلى ضوء الشبكة التي يديرها رشيد رمضة، فقد سُمح لهذا الأخير بالمكوث في لندن في إقامة سبعة نجوم بأحد السجون تحت حماية قانونية وشخصية وفرتها المخابرات البريطانية مقابل أن تعمل شبكته لصالح أجندة الفوضى وفرق تسد البريطانية.
يذكر أن رشيد رمضة قد شوهد في باكستان عام 1989 ضمن شبكات الأفغان العرب التي أدارها تنظيم الإخوان بقيادة الإخواني الفلسطيني عبد الله عزام، وشارك في جهود الإغاثة الطبية في أفغانستان التي كانت ستار الغرب لإدخال المساعدات للإرهابيين الأفغان أثناء قتالهم ضد السوفييت.
وعقب سقوط الاتحاد السوفيتي استقبله ضباط المخابرات البريطانية في لندن، ولاحقًا قدمت السلطات الجزائرية ما يفيد تورطه في الإرهاب ومسؤوليته المباشرة عن هجوم مطار الجزائر عام 1993 ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 123. ومع ذلك رفضت بريطانيا تسليمه وظل حرًا طليقًا في بريطانيا وعموم أوروبا.
وعقب تسليمه إلى فرنسا، حكم عليه بالسجن المؤبد (22 عامًا) وأغلقت القضية، ما يجعلنا نفهم أن الإسلام السياسي لم يخرج عن السيطرة يومًا ما قط، بل يستخدم في الحروب الباردة بين الدول الغربية نفسها.
شبكة ابن لادن
أصبحت لندن تضم أوائل التسعينات مع مجيء حكومة جون ميجور مكاتب رسمية وإعلامية تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية التي انضمت لاحقًا إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية رأس حرب الغرب في إسقاط الجماهيرية الليبية ونظام معمر القذافي عام 2011 تحت راية الربيع العربي، وجماعة الجهاد المصرية المسؤولة عن إرهاب التسعينات الذي ضرب مصر من القاهرة إلى الأقصر، ولجنة الشورى والإصلاح التابعة لتنظيم القاعدة، وهو مكتب رسمي يعمل فيه العديد من معاوني الإرهابي أسامة بن لادن.وقد زار ابن لادن العاصمة البريطانية أكثر من مرة ما بين عامي 1994 و1966 على متن طائرته الخاصة، واجتمع بعناصر من المخابرات البريطانية والأمريكية، ونظمت لندن عدة اجتماعات ما بين أسامة بن لادن وأمراء سعوديين خلال تلك الزيارات.
وكانت لجنة الشورى والإصلاح التابعة لشبكة ابن لادن من قبل الإعلان الرسمي عن قيام تنظيم القاعدة تعمل بشكل قانوني وآمن على الأراضي البريطانية لتمويل وتنظيم شبكات الإرهاب التابعة لأسامة بن لادن في السودان والدول الأفريقية.
ويلاحظ أن الإعلام الدولي خاصة الأمريكي والبريطاني لم ينعت ابن لادن بالإرهابي إلا عقب احداث 11 سبتمبر 2001 ببضعة أشهر وليس بشكل فوري، حيث كان مصطلح رجل الأعمال السعودي أو المنشق السعودي هو مصطلح ابن لادن إعلاميًا.
وقد قامت بريطانيا باستضافة ما يسمى بـ”المعارضة السعودية” في إطار لعبة فرق تسد، وتحديدًا ما يسمى بـ”حركة الإصلاح الإسلامي في الجزيرة العربية”.
وفى أوائل سنوات قيام لندنستان، مر على بريطانيا بشكل طبيعي وآمن، وأقام وتبادل معلومات مئات من الشباب الذي مارس الإرهاب –تحت مسمى الجهاد الإسلامي– لاحقًا في سنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتسلمت تلك الشبكات الإسلامية في لندنستان شبكات من الجريمة المنظمة المتعلقة بالدعارة والسلاح والأدوية والأوبئة وتجارة الجنس وغسيل الأموال، وذلك بالاشتراك مع عصابات الجريمة المنظمة في كافة التجارات السابقة.
ونسقت بريطانيا مع باكستان في إرسال شباب بريطاني مسلم من أصول باكستانية للقتال في صفوف حركات مجاهدي كشمير من أجل ضرب التجربة الهندية في الاقتصاد والاستقرار خلال تسعينات القرن العشرين. وتُرك للإسلاميين العمل بكل حرية وسط الجاليات العربية والإسلامية، خاصة الشباب المصري والجزائري من أجل تجنيد عناصر تعمل لصالح جماعة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية الجزائرية في زمن إرهاب التسعينات. تلك الجهود جرت بمعرفة رؤساء وزراء بريطانيا، مارجريت تاتشر وجون ميجور.