- إنضم
- 20 نوفمبر 2021
- المشاركات
- 3,235
- مستوى التفاعل
- 9,788
- النقاط
- 18
- المستوي
- 3
- الرتب
- 3
سلبيات المجتمع الصناعى وسيكولوجية اليسار الحديث
تقديم
مثلت الثورة الصناعية ونتائجها كارثة للجنس البشري، فبالرغم من مساهمتها في زيادة متوسط العمر المتوقع في البلاد المتقدمة، إلا أنها زعزعت استقرار المجتمع، وسحبت من الحياة هناءها، سامت الناس الذل مما أدى إلى معاناة نفسية عالمية –وجسدية في دول العالم الثالث-، وألحقت بالطبيعة أضرارًا بالغة، وبالتالي فإن التطور المستمر للثورة الصناعية في هيئة الثورة التكنولوجية (الثورة الصناعية الثانية) سيؤدي إلى تفاقم الكارثة، وسيخضع الإنسان إلى المزيد من الإهانات، وسيسبب أضرارًا أكبر بالطبيعة، وغالبًا سيسبب اضطرابًا مجتمعيًا أعنف وألمًا نفسيًا وربما جسديًا أكثر حتى في الدول المتقدمة.
قد ينجوا النظام الصناعي-التكنولوجي أو قد ينهار، لو نجا فقد يحقق في نهاية المطاف مستويات متدنية من المعاناة النفسية والجسدية، لكن عبر عملية طويلة ومؤلمة جدًا من تعديل وتحويل دائم لأغلب البشر والكائنات الحية الأخرى إلى مجرد منتجات مهندسة وتروس في الآلة الاجتماعية، ضف على ذلك أنه إذا نجا هذا النظام فستكون العواقب حتمية، فلن توجد طريقة لتحسين أو تعديل النظام لمنعه من تجريد الناس من كرامتهم واستقلالهم، أما إن كان مصيره الانهيار، فستكون العواقب وخيمة للغاية، وكلما تأخر الانهيار كلما زادت كارثية العواقب، لذلك من الأفضل أن ينهار عاجلاً لا آجلاً.
ولذلك فأنا أدعو إلى ثورة ضد النظام الصناعي، قد تجنح إلى استخدام العنف وربما لا، قد تكون مفاجئة، وقد تحدث تدريجيًا على امتداد بضعة عقود، لا يمكنني التنبؤ بأي من ذلك، لكني أحدد الخطوات العامة التي يجب على كل من يكره هذا النظام أن يتبعها في سبيل تمهيد الطريق للثورة القادمة ضد هذا الشكل من المجتمع.
هذا المقال سيهتم فقط ببضعة جوانب سلبية صاحبت التطور التكنولوجي الصناعي، وبعض الجوانب نذكرها بإيجاز أو نتجاهلها تمامًا، وليس لأن تلك الجوانب ليست مهمة، لكن ولأسباب عملية يجب أن أحصر نقاشي في النقاط التي لم تلقى اهتمامًا جماهيريًا كافيًا، أو حيث أستطيع أن آتي بجديد، على سبيل المثال كتبنا قليلاً عن التدهور البيئي وتدمير الحياة البرية على الرغم من كونها قضية في غاية الأهمية، ولكن ذلك بسبب وجود مبادرات بيئية وحركات متقدمة لحماية الطبيعة والحياة البرية.
سيكولوجية اليسار الحديث
سيتفق الجميع تقريبًا على أننا نعيش في عالم مضطرب للغاية، وواحد من أكثر مظاهر جنون عالمنا انتشارًا هو اليسارية، ولذلك فإن مناقشة سيكولوجية اليسار سيكون بمثابة المقدمة لمناقشة مشاكل المجتمع الحديث بشكل عام.
لكن ما هي اليسارية؟ خلال النصف الأول من القرن العشرين كان من السهل التعرف على اليسارية لأنها عمليًا كانت الاشتراكية، لكن اليوم أصبحت حركة مجزأة وصار من الصعب تحديد من هو اليساري بشكل واضح، ولذلك فإننا عندما نتحدث عن اليساريين في هذا المقال فإننا نقصد الاشتراكيين، الجماعيين*، وأعضاء الصواب السياسي، النسويات، نشطاء الدفاع عن المثليين والمعاقين، ونشطاء حقوق الحيوان وما شابه، لكن بالطبع ليس كل شخص ارتبط بأحد تلك الحركات يساري بالضرورة، إننا نحاول أن نناقش الجانب النفسي لليسارية أكثر من مناقشة أحزابها أو أيدولوجيتها، وكذلك كل ما يشابهها، وهكذا فإن ما نقصده باليسارية سيظهر بشكل جلي في سياق مناقشتنا لسيكولوجية اليسار.
ومع ذلك سيظل تصورنا عن اليسار أقل وضوحًا مما كنا نهدف، لكن لا علاج لهذا الأمر، سيقتصر ما نحاول فعله هنا على الإشارة بصورة مباشرة وتقريبية إلى الاتجاهيين النفسيين الرئيسين المحركين للقوى اليسارية الحديثة. نحن لا ندّعى بأي حال من الأحوال أننا نظهر “الحقيقة الكاملة” عن سيكولوجية اليسار، كما أن نقاشنا ينطبق فقط على اليسارية الحديثة، ونترك السؤال مطروح عن مدى إمكانية تطبيق مناقشتنا عن يساريّي القرن التاسع عشر وأوائل العشرين.
الاتجاهان النفسيان الرئيسان اللذان يكمنان خلف النزعة اليسارية الحديثة هما: “عقدة النقص” و”التنشئة الاجتماعية المفرطة-oversocialization”، عقدة النقص هي سمة أساسية لليسارية الحديثة ككل، بينما التنشئة الاجتماعية المفرطة سمة تميز شريحة معينة من اليسار الحديث لكنها ذات تأثيرٍ عالٍ.
عقدة النقص
بقولنا “
من فضلك,
تسجيل الدخول
أو
تسجيل
لعرض المحتوي!
” لا نعني عقدة النقص بشكل محدد، لكن طيفًا واسعًا من الطبائع المصحابة مثل انعدام الثقة بالنفس، والإحساس بالعجز، والميول الاكتئابية، والروح الانهزامية، والشعور بالذنب وكره الذات إلخ، ونحن نجادل أن اليساريين المعاصرين يميلون إلى امتلاك هذه المشاعر (قد تكون مكبوتة أو لا)، وأن تلك المشاعر مؤثرة في توجيه اليسار الحديث.عندما يفسر شخص ما أي حديث موجه إليه (أو إلى مجموعة يعرف نفسه خلالها) على أنه إهانة، نستنتج بالضرورة أن هذا الشخص يعاني من عقدة نقص وتدني لاحترام الذات، ونلاحظ هذه الأعراض على الناشطين في مجال حقوق الأقليات، سواء كانوا أفرادًا في الأقلية التي يدافعون عنها أو لا، فهم مفرطو الحساسية بشأن الكلمات المستخدمة لتسمية الأقليات، أو أي كلمة موجهة لهم، فكلمات “زنجي-negro، شرقي-oriental، معاق-handicapped، كتكوت-chick**” المستخدمة لوصف الأفريقي، أو الأسيوي أو المعاق أو المرأة لم يكن لها في الأصل معنىً ازدرائي، فكلمات مثل “Broad, chick” كانت هي الموازي الأنثوي لكلمات مثل يا فتى أو يا صاح أو يا زميل، ” guy, fellow, dude”، فقد تم إلصاق المعنى السلبي بالألفاظ من قبل الناشطين أنفسهم، بل حتى وصل تمادي بعض ناشطي حقوق الحيوان إلى إلغاء كلمة “حيوان أليف” والإصرار على استبدالها بـ “الرفيق الحيواني”، ووصل جنون الارتياب إلى حد بعيد مع علماء الأنثروبولوجيا اليساريين، فهم يتجنبون قول أي لفظ مشكوك في حمله معنى سلبي عن الشعوب البدائية، إنهم يريدون استبدال كلمة “بدائي” بكلمة “ليس لها لغة مكتوبة-nonliterate”، يبدو أنهم مصابون بجنون الشك نحو أي شيء يصور الثقافات البدائية أقل شأنًا من حضارتنا (نحن لا نعني أن الشعوب البدائية أقل شأنًا من حضارتنا، بل فقط نشير إلى الحساسية المفرطة لعلماء الأنثروبولوجيا اليسارين).
الأشخاص الأكثر حساسية تجاه المصطلحات “غير الصائبة سياسيًا” ليسوا السود المنعزلين مجتمعيًا، أو المهاجرين الأسيويين، المرأة، أو الأشخاص المعاقين، لكن أقلية من النشطاء لا ينتمون حتى للمجموعة “المضطهدة” بل ينتمون للطبقة ذات الامتيازات في المجتمع، فتمتلك الصوابية السياسية مساحة كبيرة بين أساتذة الجامعات، ممن يمتلكون عملًا ثابتًا بمرتّبات مريحة، غالبيتهم من البيض المغايرون جنسيًا المنتمون للطبقة الوسطى المتوسطة والعليا.
يشعر العديد من اليسارين بالتطابق التام بين هويتهم والمجموعات اللائي تعطي انطباع بالضعف (المرأة)، الانهزامية (الهنود الحمر)، والتنفير (المثليين) أو أي شعور بالدونية. يشعر اليساريون أنفسهم بدونية هذه المجموعات، لكن لن يعترفوا أبدًا لنفسهم بتلك المشاعر، وكونهم يرون تلك المجموعات أدنى من غيرها هو تحديدًا ما يجعلهم يشعرون بالألفة لمشكلاتهم، (نحن لا نعني أن الهنود الحمر أو المرأة إلخ أقل شأنًا من غيرهم، فنحن فقط نتحدث عن سيكولوجية اليسار).
تحرص النسويات بشدة على إثبات أن المرأة قوية وقادرة مثل الرجال، لدرجة أنه من الواضح أن الخوف من احتمالية كون المرأة ليست بقوة الرجل وقدرته يقضّ مضاجعهم.
يميل اليساريون إلى كراهية أي شيء يملك شكلًا من القوة أو النجاح، فهم يكرهون أمريكا، يكرهون الحضارة الغربية، يكرهون الرجل الأبيض، ويكرهون المنطق والعقلانية، والواضح كالشمس أن الأسباب التي تدفع اليسارين لكره الغرب وما إلى ذلك، تختلف وتغطي دوافعهم الحقيقية، فيقولون أنهم يكرهون الغرب لأنه حربي، استعماري، متحيز جنسيًا، وعنصري وهكذا، ولكن حين ظهور نفس الأخطاء في المجتمعات الاشتراكية أو البدائية فهو يختلق الأعذار لهم، وفي أفضل حال يعترف بوجودها على مضض، بينما يشير بأصبعه بسعادة (وغالبًا مع التهويل) على نفس الأخطاء في الحضارة الغربية، وبالتالي يصبح من الجلي أن تلك الأخطاء ليست السبب الحقيقي لكره اليسار لأمريكا والغرب، لكن السبب الحقيقي هو كون أمريكا والغرب أقوياء وناجحين.
ومن الكلمات ذات الحضور الضئيل في قواميس اليساريين والليبراليين “الثقة بالنفس”، “الاعتماد على الذات”، “روح المبادرة”، “الجرأة”، “التفاؤل” وما إلى ذلك، فاليساري هو شخص كاره للفردية، مؤيد لفكرة القطيع، ويريد من المجتمع أن يحل مشكلات الجميع نيابة عنه، وأن يلبي رغبات الجميع بدلاً منه، ويهتم بهم، لأنه شخص لا يمتلك ثقة في قدرته على حل مشكلاته الخاصة، أو تلبية احتياجاته الخاصة، وهكذا يعادي اليسار مفهوم المنافسة، لأنه بداخله يشعر بكونه شخص فاشل.
يميل اليسار لأشكال معينة من الفن تركز على البذاءة، الهزيمة واليأس، وإن لم تكن مما سبق، اتخذت شكل من المجون، فتهمل العقلانية وكأنه لا سبيل لتحقيق أي شيء خلال الحسابات المنطقية ولا جدوى سوى أن تغمر نفسك بضجيج اللحظة.
يميل الفلاسفة اليساريون الحديثون إلى تجاهل العقل والعلم والواقع الموضوعي والإصرار على أن كل شيء نسبي ثقافيًا، صحيح أنه يمكنك طرح أسئلة جدية حول أسس المعرفة العلمية وعن كيفية تعريف الواقع الموضوعي –إن وجد-، لكن الواضح أن الفلاسفة اليساريين الحديثين ليسوا مناطقة عقلانيون يحللون مؤسسة المعرفة بمنهجية، بالعكس، فهم منغمسون حتى رأسهم في مهاجمة الحقيقة والواقع، وينبع هجومهم على تلك المفاهيم من حاجة نفسية؛ فمن جانب هو مخرج لحقدهم، ومن الآخر إرضاءً لعطشهم إلى القوة، والسبب الأكثر أهمية لكره اليسار للعلم والعقلانية كون العلم والعقلانية يصنفون المعتقدات لحقيقية (ناجحة ومتفوقة وما إلى ذلك)، وأخرى زائفة (فاشلة ودونية وما إلى ذلك)، فتوغل مشاعر الدونية والنقص بعمق في نفس اليساري تجعله لا يستطيع التسامح مع أي تفريق بين الأشياء وتصنيف بعضها كناجح ومتفوق وبعضها الآخر كفاشل ومتدني، وهذا أيضًا يشرح سر بُغض اليساريون لمفهوم المرض العقلي وإنكار فائدة اختبارات الذكاء، ويعادي اليساريون التفسير الجيني لسلوك البشر وقدراتهم، لأن مثل هذا التفسير يجعل بعض الأشخاص متفوقين بالطبيعة وآخرين أقل مكانة، فيميل اليساريون إلى منح المجتمع الشكر أو النقد على تفوق الفرد أو فشله، فإذا كان الشخص فاشلًا فهذا ليس خطأه بل خطأ المجتمع لأنه فشل في تربيته على النحو الملائم.
عادةً لن تجد اليساري هو الشخص الذي يدفعه شعوره بالدونية للتبجح، الغرور، التنمر، ترويج الذات أو يجعله منافس لا يرحم، فهذا النوع من الأشخاص لم يفقد الأمل والإيمان في نفسه بعد، فعلى الرغم من افتقاده للثقة في النفس ووهن شعوره بالقوة، إلا أنه ما زال قادرًا على تخيل نفسه قوي، ومحاولته لجعل نفسه قويًا هي ما ينتج سلوكه غير المستحب، لكن يقع اليسار بعيدًا جدًا عن تلك الشخصية، فإحساسه بالدونية ضاربٌ بجذوره في عمق نفسه بحيث لا يستطيع تصور نفسه في موضع قوة أو قيمة بشكل فردي، وهكذا تنتج الجماعية اليسارية، فشعوره بالقوة يأتي فقط من شعوره بالانتماء لمنظمة كبيرة أو جماعة يعرف هويته من خلالها.
لاحظ الميول الماسوشية للأساليب اليسارية، فهم يتظاهرون من خلال الاستلقاء أمام السيارات، يتعمدون استفزاز الشرطة والعنصريين لدفعهم لإيذائهم وما إلى ذلك، تلك الأساليب قد تكون فعالة أحيانًا، لكن لا يستخدمها اليساريون كوسيلة لتحقيق غاية، بل فقط لأنهم يفضلون الأساليب الماسوشية، فكُره الذات هو سمة يسارية.
قد يدعي اليساري أن نشاطه مدفوع بالشفقة والمبادئ الأخلاقية، وتلعب المبادئ الأخلاقية دورًا ليسار “التنشئة الاجتماعية المفرطة”، لكن الشفقة والمبادئ الأخلاقية مستحيل أن تكون الدافع الأساسي لشخصية اليساري، فالعدائية عنصر بارز جدًا في سلوك اليساري، وكذلك التعطش إلى السلطة، وعلاوة على ذلك فإن اليساري لا يعتمد أصلاً على الحسابات العقلية لتكون تصرفاته موجهة في صالح هؤلاء ممن يدعي مساعدتهم. فمثلاً إذا اعتقد شخصٌ ما أن التمييز الإيجابي مفيد للسود، فهل من العقل المطالبة بالتمييز الإيجابي بأساليب عدائية ومصطلحات دوجمائية؟ المنطقي هو اللجوء للأساليب الدبلوماسية والنهج التوفيقية التي تغري البيض بالتنازلات الرمزية واللفظية التي تعني التمييز ضدهم أنفسهم.
لكن اليساري لن يستخدم تلك الطرق لأنها لا تفي باحتياجاته العاطفية، وبالتالي فإن مساعدة السود ليس هدفهم الحقيقي، بل مجرد زريعة ليعبروا عن عدائيتهم وتعطشهم للسلطة، والنتيجة الواقعية لهذا هو إيذاء السود، لأن تصرفات النشطاء العدائية تجاه الأغلبية البيضاء تعمل على تكثيف الكراهية العرقية.
ولو كان مجتمعنا لا يعاني من مشاكل اجتماعية إطلاقًا لكان على اليساريين اختلاق مشاكل اجتماعية جديدة تبرر وجودهم وتمدهم بالأعذار لإحداث ضجة.
أؤكد أن ما سبق ذكره ليس وصف دقيق لكل شخص ينتمي لليسار، بل هو مقاربة للاتجاه العام لليسارية.
التعديل الأخير: