مرحبا بك في منتدى الشرق الأوسط للعلوم العسكرية

انضم إلينا الآن للوصول إلى جميع ميزاتنا. بمجرد التسجيل وتسجيل الدخول ، ستتمكن من إنشاء مواضيع ونشر الردود على المواضيع الحالية وإعطاء سمعة لزملائك الأعضاء والحصول على برنامج المراسلة الخاص بك وغير ذلك الكثير. إنها أيضًا سريعة ومجانية تمامًا ، فماذا تنتظر؟
  • يمنع منعا باتا توجيه أي إهانات أو تعدي شخصي على أي عضوية أو رأي خاص بعضو أو دين وإلا سيتعرض للمخالفة وللحظر ... كل رأي يطرح في المنتدى هو رأى خاص بصاحبه ولا يمثل التوجه العام للمنتدى او رأي الإدارة أو القائمين علي المنتدى. هذا المنتدي يتبع أحكام القانون المصري......

سلبيات المجتمع الصناعى وسيكولوجية اليسار الحديث

tayga

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2021
المشاركات
3,235
مستوى التفاعل
9,788
النقاط
18
المستوي
3
الرتب
3
Country flag
سلبيات المجتمع الصناعى وسيكولوجية اليسار الحديث

harakteristika-industrialnogo-obshestva-kratko_4.jpg

تقديم
مثلت الثورة الصناعية ونتائجها كارثة للجنس البشري، فبالرغم من مساهمتها في زيادة متوسط العمر المتوقع في البلاد المتقدمة، إلا أنها زعزعت استقرار المجتمع، وسحبت من الحياة هناءها، سامت الناس الذل مما أدى إلى معاناة نفسية عالمية –وجسدية في دول العالم الثالث-، وألحقت بالطبيعة أضرارًا بالغة، وبالتالي فإن التطور المستمر للثورة الصناعية في هيئة الثورة التكنولوجية (الثورة الصناعية الثانية) سيؤدي إلى تفاقم الكارثة، وسيخضع الإنسان إلى المزيد من الإهانات، وسيسبب أضرارًا أكبر بالطبيعة، وغالبًا سيسبب اضطرابًا مجتمعيًا أعنف وألمًا نفسيًا وربما جسديًا أكثر حتى في الدول المتقدمة.

قد ينجوا النظام الصناعي-التكنولوجي أو قد ينهار، لو نجا فقد يحقق في نهاية المطاف مستويات متدنية من المعاناة النفسية والجسدية، لكن عبر عملية طويلة ومؤلمة جدًا من تعديل وتحويل دائم لأغلب البشر والكائنات الحية الأخرى إلى مجرد منتجات مهندسة وتروس في الآلة الاجتماعية، ضف على ذلك أنه إذا نجا هذا النظام فستكون العواقب حتمية، فلن توجد طريقة لتحسين أو تعديل النظام لمنعه من تجريد الناس من كرامتهم واستقلالهم، أما إن كان مصيره الانهيار، فستكون العواقب وخيمة للغاية، وكلما تأخر الانهيار كلما زادت كارثية العواقب، لذلك من الأفضل أن ينهار عاجلاً لا آجلاً.

ولذلك فأنا أدعو إلى ثورة ضد النظام الصناعي، قد تجنح إلى استخدام العنف وربما لا، قد تكون مفاجئة، وقد تحدث تدريجيًا على امتداد بضعة عقود، لا يمكنني التنبؤ بأي من ذلك، لكني أحدد الخطوات العامة التي يجب على كل من يكره هذا النظام أن يتبعها في سبيل تمهيد الطريق للثورة القادمة ضد هذا الشكل من المجتمع.

هذا المقال سيهتم فقط ببضعة جوانب سلبية صاحبت التطور التكنولوجي الصناعي، وبعض الجوانب نذكرها بإيجاز أو نتجاهلها تمامًا، وليس لأن تلك الجوانب ليست مهمة، لكن ولأسباب عملية يجب أن أحصر نقاشي في النقاط التي لم تلقى اهتمامًا جماهيريًا كافيًا، أو حيث أستطيع أن آتي بجديد، على سبيل المثال كتبنا قليلاً عن التدهور البيئي وتدمير الحياة البرية على الرغم من كونها قضية في غاية الأهمية، ولكن ذلك بسبب وجود مبادرات بيئية وحركات متقدمة لحماية الطبيعة والحياة البرية.

سيكولوجية اليسار الحديث

سيتفق الجميع تقريبًا على أننا نعيش في عالم مضطرب للغاية، وواحد من أكثر مظاهر جنون عالمنا انتشارًا هو اليسارية، ولذلك فإن مناقشة سيكولوجية اليسار سيكون بمثابة المقدمة لمناقشة مشاكل المجتمع الحديث بشكل عام.

لكن ما هي اليسارية؟ خلال النصف الأول من القرن العشرين كان من السهل التعرف على اليسارية لأنها عمليًا كانت الاشتراكية، لكن اليوم أصبحت حركة مجزأة وصار من الصعب تحديد من هو اليساري بشكل واضح، ولذلك فإننا عندما نتحدث عن اليساريين في هذا المقال فإننا نقصد الاشتراكيين، الجماعيين*، وأعضاء الصواب السياسي، النسويات، نشطاء الدفاع عن المثليين والمعاقين، ونشطاء حقوق الحيوان وما شابه، لكن بالطبع ليس كل شخص ارتبط بأحد تلك الحركات يساري بالضرورة، إننا نحاول أن نناقش الجانب النفسي لليسارية أكثر من مناقشة أحزابها أو أيدولوجيتها، وكذلك كل ما يشابهها، وهكذا فإن ما نقصده باليسارية سيظهر بشكل جلي في سياق مناقشتنا لسيكولوجية اليسار.

ومع ذلك سيظل تصورنا عن اليسار أقل وضوحًا مما كنا نهدف، لكن لا علاج لهذا الأمر، سيقتصر ما نحاول فعله هنا على الإشارة بصورة مباشرة وتقريبية إلى الاتجاهيين النفسيين الرئيسين المحركين للقوى اليسارية الحديثة. نحن لا ندّعى بأي حال من الأحوال أننا نظهر “الحقيقة الكاملة” عن سيكولوجية اليسار، كما أن نقاشنا ينطبق فقط على اليسارية الحديثة، ونترك السؤال مطروح عن مدى إمكانية تطبيق مناقشتنا عن يساريّي القرن التاسع عشر وأوائل العشرين.

الاتجاهان النفسيان الرئيسان اللذان يكمنان خلف النزعة اليسارية الحديثة هما: “عقدة النقص” و”التنشئة الاجتماعية المفرطة-oversocialization”، عقدة النقص هي سمة أساسية لليسارية الحديثة ككل، بينما التنشئة الاجتماعية المفرطة سمة تميز شريحة معينة من اليسار الحديث لكنها ذات تأثيرٍ عالٍ.

عقدة النقص

بقولنا “
من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!
” لا نعني عقدة النقص بشكل محدد، لكن طيفًا واسعًا من الطبائع المصحابة مثل انعدام الثقة بالنفس، والإحساس بالعجز، والميول الاكتئابية، والروح الانهزامية، والشعور بالذنب وكره الذات إلخ، ونحن نجادل أن اليساريين المعاصرين يميلون إلى امتلاك هذه المشاعر (قد تكون مكبوتة أو لا)، وأن تلك المشاعر مؤثرة في توجيه اليسار الحديث.

عندما يفسر شخص ما أي حديث موجه إليه (أو إلى مجموعة يعرف نفسه خلالها) على أنه إهانة، نستنتج بالضرورة أن هذا الشخص يعاني من عقدة نقص وتدني لاحترام الذات، ونلاحظ هذه الأعراض على الناشطين في مجال حقوق الأقليات، سواء كانوا أفرادًا في الأقلية التي يدافعون عنها أو لا، فهم مفرطو الحساسية بشأن الكلمات المستخدمة لتسمية الأقليات، أو أي كلمة موجهة لهم، فكلمات “زنجي-negro، شرقي-oriental، معاق-handicapped، كتكوت-chick**” المستخدمة لوصف الأفريقي، أو الأسيوي أو المعاق أو المرأة لم يكن لها في الأصل معنىً ازدرائي، فكلمات مثل “Broad, chick” كانت هي الموازي الأنثوي لكلمات مثل يا فتى أو يا صاح أو يا زميل، ” guy, fellow, dude”، فقد تم إلصاق المعنى السلبي بالألفاظ من قبل الناشطين أنفسهم، بل حتى وصل تمادي بعض ناشطي حقوق الحيوان إلى إلغاء كلمة “حيوان أليف” والإصرار على استبدالها بـ “الرفيق الحيواني”، ووصل جنون الارتياب إلى حد بعيد مع علماء الأنثروبولوجيا اليساريين، فهم يتجنبون قول أي لفظ مشكوك في حمله معنى سلبي عن الشعوب البدائية، إنهم يريدون استبدال كلمة “بدائي” بكلمة “ليس لها لغة مكتوبة-nonliterate”، يبدو أنهم مصابون بجنون الشك نحو أي شيء يصور الثقافات البدائية أقل شأنًا من حضارتنا (نحن لا نعني أن الشعوب البدائية أقل شأنًا من حضارتنا، بل فقط نشير إلى الحساسية المفرطة لعلماء الأنثروبولوجيا اليسارين).

الأشخاص الأكثر حساسية تجاه المصطلحات “غير الصائبة سياسيًا” ليسوا السود المنعزلين مجتمعيًا، أو المهاجرين الأسيويين، المرأة، أو الأشخاص المعاقين، لكن أقلية من النشطاء لا ينتمون حتى للمجموعة “المضطهدة” بل ينتمون للطبقة ذات الامتيازات في المجتمع، فتمتلك الصوابية السياسية مساحة كبيرة بين أساتذة الجامعات، ممن يمتلكون عملًا ثابتًا بمرتّبات مريحة، غالبيتهم من البيض المغايرون جنسيًا المنتمون للطبقة الوسطى المتوسطة والعليا.

يشعر العديد من اليسارين بالتطابق التام بين هويتهم والمجموعات اللائي تعطي انطباع بالضعف (المرأة)، الانهزامية (الهنود الحمر)، والتنفير (المثليين) أو أي شعور بالدونية. يشعر اليساريون أنفسهم بدونية هذه المجموعات، لكن لن يعترفوا أبدًا لنفسهم بتلك المشاعر، وكونهم يرون تلك المجموعات أدنى من غيرها هو تحديدًا ما يجعلهم يشعرون بالألفة لمشكلاتهم، (نحن لا نعني أن الهنود الحمر أو المرأة إلخ أقل شأنًا من غيرهم، فنحن فقط نتحدث عن سيكولوجية اليسار).

تحرص النسويات بشدة على إثبات أن المرأة قوية وقادرة مثل الرجال، لدرجة أنه من الواضح أن الخوف من احتمالية كون المرأة ليست بقوة الرجل وقدرته يقضّ مضاجعهم.

يميل اليساريون إلى كراهية أي شيء يملك شكلًا من القوة أو النجاح، فهم يكرهون أمريكا، يكرهون الحضارة الغربية، يكرهون الرجل الأبيض، ويكرهون المنطق والعقلانية، والواضح كالشمس أن الأسباب التي تدفع اليسارين لكره الغرب وما إلى ذلك، تختلف وتغطي دوافعهم الحقيقية، فيقولون أنهم يكرهون الغرب لأنه حربي، استعماري، متحيز جنسيًا، وعنصري وهكذا، ولكن حين ظهور نفس الأخطاء في المجتمعات الاشتراكية أو البدائية فهو يختلق الأعذار لهم، وفي أفضل حال يعترف بوجودها على مضض، بينما يشير بأصبعه بسعادة (وغالبًا مع التهويل) على نفس الأخطاء في الحضارة الغربية، وبالتالي يصبح من الجلي أن تلك الأخطاء ليست السبب الحقيقي لكره اليسار لأمريكا والغرب، لكن السبب الحقيقي هو كون أمريكا والغرب أقوياء وناجحين.

ومن الكلمات ذات الحضور الضئيل في قواميس اليساريين والليبراليين “الثقة بالنفس”، “الاعتماد على الذات”، “روح المبادرة”، “الجرأة”، “التفاؤل” وما إلى ذلك، فاليساري هو شخص كاره للفردية، مؤيد لفكرة القطيع، ويريد من المجتمع أن يحل مشكلات الجميع نيابة عنه، وأن يلبي رغبات الجميع بدلاً منه، ويهتم بهم، لأنه شخص لا يمتلك ثقة في قدرته على حل مشكلاته الخاصة، أو تلبية احتياجاته الخاصة، وهكذا يعادي اليسار مفهوم المنافسة، لأنه بداخله يشعر بكونه شخص فاشل.

يميل اليسار لأشكال معينة من الفن تركز على البذاءة، الهزيمة واليأس، وإن لم تكن مما سبق، اتخذت شكل من المجون، فتهمل العقلانية وكأنه لا سبيل لتحقيق أي شيء خلال الحسابات المنطقية ولا جدوى سوى أن تغمر نفسك بضجيج اللحظة.

يميل الفلاسفة اليساريون الحديثون إلى تجاهل العقل والعلم والواقع الموضوعي والإصرار على أن كل شيء نسبي ثقافيًا، صحيح أنه يمكنك طرح أسئلة جدية حول أسس المعرفة العلمية وعن كيفية تعريف الواقع الموضوعي –إن وجد-، لكن الواضح أن الفلاسفة اليساريين الحديثين ليسوا مناطقة عقلانيون يحللون مؤسسة المعرفة بمنهجية، بالعكس، فهم منغمسون حتى رأسهم في مهاجمة الحقيقة والواقع، وينبع هجومهم على تلك المفاهيم من حاجة نفسية؛ فمن جانب هو مخرج لحقدهم، ومن الآخر إرضاءً لعطشهم إلى القوة، والسبب الأكثر أهمية لكره اليسار للعلم والعقلانية كون العلم والعقلانية يصنفون المعتقدات لحقيقية (ناجحة ومتفوقة وما إلى ذلك)، وأخرى زائفة (فاشلة ودونية وما إلى ذلك)، فتوغل مشاعر الدونية والنقص بعمق في نفس اليساري تجعله لا يستطيع التسامح مع أي تفريق بين الأشياء وتصنيف بعضها كناجح ومتفوق وبعضها الآخر كفاشل ومتدني، وهذا أيضًا يشرح سر بُغض اليساريون لمفهوم المرض العقلي وإنكار فائدة اختبارات الذكاء، ويعادي اليساريون التفسير الجيني لسلوك البشر وقدراتهم، لأن مثل هذا التفسير يجعل بعض الأشخاص متفوقين بالطبيعة وآخرين أقل مكانة، فيميل اليساريون إلى منح المجتمع الشكر أو النقد على تفوق الفرد أو فشله، فإذا كان الشخص فاشلًا فهذا ليس خطأه بل خطأ المجتمع لأنه فشل في تربيته على النحو الملائم.

عادةً لن تجد اليساري هو الشخص الذي يدفعه شعوره بالدونية للتبجح، الغرور، التنمر، ترويج الذات أو يجعله منافس لا يرحم، فهذا النوع من الأشخاص لم يفقد الأمل والإيمان في نفسه بعد، فعلى الرغم من افتقاده للثقة في النفس ووهن شعوره بالقوة، إلا أنه ما زال قادرًا على تخيل نفسه قوي، ومحاولته لجعل نفسه قويًا هي ما ينتج سلوكه غير المستحب، لكن يقع اليسار بعيدًا جدًا عن تلك الشخصية، فإحساسه بالدونية ضاربٌ بجذوره في عمق نفسه بحيث لا يستطيع تصور نفسه في موضع قوة أو قيمة بشكل فردي، وهكذا تنتج الجماعية اليسارية، فشعوره بالقوة يأتي فقط من شعوره بالانتماء لمنظمة كبيرة أو جماعة يعرف هويته من خلالها.

لاحظ الميول الماسوشية للأساليب اليسارية، فهم يتظاهرون من خلال الاستلقاء أمام السيارات، يتعمدون استفزاز الشرطة والعنصريين لدفعهم لإيذائهم وما إلى ذلك، تلك الأساليب قد تكون فعالة أحيانًا، لكن لا يستخدمها اليساريون كوسيلة لتحقيق غاية، بل فقط لأنهم يفضلون الأساليب الماسوشية، فكُره الذات هو سمة يسارية.

قد يدعي اليساري أن نشاطه مدفوع بالشفقة والمبادئ الأخلاقية، وتلعب المبادئ الأخلاقية دورًا ليسار “التنشئة الاجتماعية المفرطة”، لكن الشفقة والمبادئ الأخلاقية مستحيل أن تكون الدافع الأساسي لشخصية اليساري، فالعدائية عنصر بارز جدًا في سلوك اليساري، وكذلك التعطش إلى السلطة، وعلاوة على ذلك فإن اليساري لا يعتمد أصلاً على الحسابات العقلية لتكون تصرفاته موجهة في صالح هؤلاء ممن يدعي مساعدتهم. فمثلاً إذا اعتقد شخصٌ ما أن التمييز الإيجابي مفيد للسود، فهل من العقل المطالبة بالتمييز الإيجابي بأساليب عدائية ومصطلحات دوجمائية؟ المنطقي هو اللجوء للأساليب الدبلوماسية والنهج التوفيقية التي تغري البيض بالتنازلات الرمزية واللفظية التي تعني التمييز ضدهم أنفسهم.

لكن اليساري لن يستخدم تلك الطرق لأنها لا تفي باحتياجاته العاطفية، وبالتالي فإن مساعدة السود ليس هدفهم الحقيقي، بل مجرد زريعة ليعبروا عن عدائيتهم وتعطشهم للسلطة، والنتيجة الواقعية لهذا هو إيذاء السود، لأن تصرفات النشطاء العدائية تجاه الأغلبية البيضاء تعمل على تكثيف الكراهية العرقية.

ولو كان مجتمعنا لا يعاني من مشاكل اجتماعية إطلاقًا لكان على اليساريين اختلاق مشاكل اجتماعية جديدة تبرر وجودهم وتمدهم بالأعذار لإحداث ضجة.

أؤكد أن ما سبق ذكره ليس وصف دقيق لكل شخص ينتمي لليسار، بل هو مقاربة للاتجاه العام لليسارية.
 
التعديل الأخير:

tayga

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2021
المشاركات
3,235
مستوى التفاعل
9,788
النقاط
18
المستوي
3
الرتب
3
Country flag
تكملة المقال

التنشئة الاجتماعية المفرطة (OVER SOCIALIZATION)

يستخدم علماء النفس مصطلح (التنشئة الاجتماعية-socialization) لتسمية عملية تدريب الأطفال على التفكير والتصرف بناءً على متطلبات المجتمع، فيقال عن الشخص اجتماعي إن كان يؤمن بالقانون الأخلاقي لمجتمعه ويطيعه، ويلائم وظيفته كترسٍ عاملٍ من هذا المجتمع، ستكون حماقة إن قلت إن اليساري “منشأ اجتماعيًا بإفراط-over-socialized”، خصوصًا أنه يسمي نفسه ثائرًا ومتمردًا، ومع ذلك يمكننا الدفاع عن وجهة النظر تلك، فالعديد من اليساريين ليسوا متمردين كما يصدرون لأنفسهم.

لا يمكن لأحد أن يفكر ويتصرف ويشعر بطريقة أخلاقية صرف، لأن قانوننا الاجتماعي متطلب وشاق، فعلى سبيل المثال أخلاقيًا لا يجب عليك أن تكره أي شخص، ولكن يكره كل شخصٍ شخصًا ما من وقتٍ لآخر، سواء اعترف لنفسه بذلك أو لا. بعض الناس تم تنشئتهم اجتماعيًا أكثر من اللازم لدرجة أن مجرد محاولة التفكير، أو الشعور أو التصرف بأخلاقية تضعهم تحت ضغط هائل، فيعمدون إلى خداع أنفسهم على المدى الطويل ومحاولة إيجاد دوافع ومبررات أخلاقية لتصرفاتهم غير أخلاقية الأصل لتجنب الشعور بالذنب، وهكذا نستخدم مصطلح “منشأ اجتماعيًا بإفراط” لوصف أمثال هؤلاء.

يمكن أن يؤدي “فرط التنشئة الاجتماعية” إلى إحساس بالدونية، والعجز، والانهزامية، والذنب وما إلى ذلك، يُعد الشعور بالذنب أحد أهم الطرق التي يستخدمها مجتمعنا لتنشئة الأطفال اجتماعيًا، عن طريق دفعهم للشعور بالذنب والخجل من تصرفاتهم وأقوالهم المضادة لقيم المجتمع، إذا تم هذا بطريقة مبالغ فيها، أو كان طفل معين هش من ذاك الجانب سينتهي به المطاف للشعور بالخجل من نفسه، وبينما تقيد أخلاق المجتمع تمامًا مشاعر وأفكار “المنشأ اجتماعيًا بإفراط”، هناك الشخص خفيف التنشئة الاجتماعية. ينخرط معظم الناس في نشاطات مشاغبة، فهم يكذبون، يرتكبون السرقات التافهة، يخرقون قوانين المرور، يكرهون شخصًا ما، يتفوهون بألفاظ لاذعة، يستخدمون الحيل للوصول لمبغاهم أو التقرب لشخصٍ ما، لكن لا يستطيع الشخص “المنشأ اجتماعيًا بإفراط” ارتكاب تلك الجرائم، وإن ارتكبها يتولد عنده شعور عميق بالعار وكره الذات، إنه حتى لا يستطيع التفكير أو الشعور بمشاعر غير مقبولة اجتماعيًا دون الشعور بالذنب، ولا يمكنه التفكير في أفكار شائنة.

ولا تقتصر فقط التنشئة الاجتماعية على الأخلاقيات، لكنها تمتد لتصل إلى العديد من معايير السلوك التي لا تقع تحت تصنيف الأخلاق. وهكذا يظل الشخص المنشأ اجتماعيًا بإفراط تحت أغلال العقدة النفسية، مقضيًا باقِ حياته على قضبان رسمها له المجتمع مسبقًا، وتدفع التنشئة الاجتماعية المفرطة العديد من الناس للشعور بالتقييد والعجز مما يؤدي إلى صعوبات كثيرة في حياتهم، ولهذا نظن أن فرط التنشئة الاجتماعية هي أقسى الأفعال وأكثرها خطورةً مما يرتكبه الإنسان في حق الإنسان.

وندعي أن جزءًا مهمًا ومؤثرًا من اليسار الحديث ضحية للإفراط في التنشئة الاجتماعية، وهذا الإفراط عامل مؤثر وحاسم في تحديد اتجاه اليسار الحديث، يميل اليساريون المنشئون اجتماعيًا بإفراط أن يكونوا مثقفين وأعضاء من الطبقة الوسطى العليا، لاحظ أن المثقفين الجامعيين يمثلون الشريحة الأكثر اجتماعية في مجتمعنا وكذلك الأكثر يسارية.

ويحاول اليساري من النوع المنشأ اجتماعيًا بإفراط إلى التخلص من قيوده وتأكيد فرديته عن طريق التمرد، ولكنه عادةً ليس قويًا كفاية للتمرد على أبسط قيم المجتمع، فبوجهٍ عام لا تتعارض أهداف اليسار الحديثة مع الأخلاق المقبولة، بل بالعكس، يتخذ اليسار مبدأً أخلاقيًا مقبولاً، يتبناه كأنه من صنعه الخاص، ثم يتهم باقِ المجتمع بانتهاك تلك المبادئ، مثل: المساواة العرقية، المساواة الجنسية، مساعدة الفقراء، السلام كبديل للحرب، اللاعنف في العموم، حرية التعبير، العطف على الحيوان. بشكل جوهري أكثر، يجب على الفرد أن يخدم المجتمع وعلى المجتمع أن يعتني بالفرد، وتلك القيم بالأصل ضاربة بجذورها عميقًا في مجتمعنا منذ فترة طويلة، على الأقل في طبقته الوسطى والعليا، ويتم التعبير عن هذه القيم جهرًا وضمنًا وكمسلمات في معظم المواد المقدمة إلينا في وسائط الإعلام أو النظام التعليمي، ولذلك عادة لا يثور اليساريين ضد تلك المبادئ، خصوصًا المنشؤون اجتماعيًا بإفراط، بل يبررون عداءهم تجاه المجتمع عن طريق ادّعاء -على درجة ما من الصحة- أن المجتمع لا يرقى لتلك المبادئ.

وهاكم مثال يوضح تعلق اليساري المنشأ اجتماعيًا بإفراط بالعرف المجتمعي الذي يدعي تمرده عليه، يدعوا العديد من اليساريين إلى الحراك الإيجابي تجاه السود، فيدفعونهم دفعًا إلى العمل بوظائف مرموقة، والمطالبة بإمداد مدارسهم بمزيد من المال لزيادة الجودة التعليمية، ويحتقرون أسلوب حياة السود من الطبقات الدنيا كعار وخزي اجتماعي، فيعملون جاهدين على دمج الرجل الأسود بالنظام، وتحويله لمدير تنفيذي، محامٍ، وعالم مثل الطبقة المتوسطة العليا من البيض، وسيرد اليساريون أن آخر ما يريدونه هو تحويل الرجل الأسود لنسخة من الرجل الأبيض، بل هدفهم هو الحفاظ على الثقافة الأفروأمريكية، ولكن كيف يحافظون على الثقافة الأفروأمريكية من وجهة نظرهم؟ فهي لا تكاد تحتوي على شيء أكثر من تناول الطعام على طريقة السود، سماع أنواع موسيقى السود، ارتداء الملابس على طراز السود، والذهاب إلى كنيسة أو مسجد على الطراز الأسود.

بعبارة أخرى؛ يمكن للثقافة السوداء أن تعبر عن نفسها فقط بالطرق السطحية، بينما في النواحي الأكثر جوهرية يريد اليساري المنشأ اجتماعيًا بإفراط أن يحول الرجل الأسود لنسخة من الرجل الأبيض المنتمي للطبقة الوسطى، وإجباره على دراسة المواد التقنية، ودفعه ليصبح مديرًا تنفيذيًا لشركة ما أو عالمًا، يقضي باقِ حياته في محاولة تسلق السلم الاجتماعي لإثبات أنه بنفس إفادة الرجل الأبيض، يريدوا من الآباء السود أن يكونوا مسؤولين، وأن تنتهج العصابات السوداء سياسة اللاعنف، إلخ. لكن تلك هي تمامًا قيم المجتمع الصناعي التكنولوجي، فلا يهتم النظام بنوعك الموسيقي المفضل، أو طراز ملابسك، أو دينك، طالما تدرس في مدارسه، وتعمل بوظائفه، وتسعى لتسلق السلم الوظيفي، وتمثل نموذج الأب المسؤول، وتبعد عن العنف وما إلى ذلك، وهكذا فإن اليساري المنشأ اجتماعيًا بإفراط يحاول إجبار الرجل الأسود على الانخراط في نظامه وتبني قيمه مهما حاول إنكار ذلك.

ولا ندّعي طبعًا أن اليساريين، حتى من النوع المنشأ اجتماعيًا بإفراط، لا يتمردون على قيم المجتمع الأساسية، فمن الواضح أنهم وفي بعض الأحيان يتمردون ويتمادون لدرجة الانقلاب على أكثر القيم الجوهرية للمجتمع المتمثلة في اللاعنف عن طريق الانخراط في أعمال شغب عنيفة، لكن يبررون هذا العنف بأنه شكل من أشكال التحرير، وبعبارة أخرى فارتكاب العنف يخرق أحد القيود الاجتماعية المدربين عليها، ولأنهم منشأين اجتماعيًا بإفراط، فتلك القيود تحدهم أكثر من الآخرين، وبالتالي تزداد رغبتهم للانعتاق منها أكثر من الآخرين، لكنهم يبررون عادةً تمردهم عن طريق تلك القيم، فمثلاً يبررون عنفهم بأنه صراع ضد العنصرية وما شابه.

يوجد العديد من الاعتراضات يمكن أن تثار ضد النموذج المصغر السابق لسيكولوجية اليسار، لأن الوضع الحقيقي أكثر تعقيدًا، وأي شيء يقترب حتى من الوصف الكامل سوف يتطلب العديد من المجلدات حتى لو كانت البيانات الضرورية متوفرة، لكن نحن لا ندّعي أن ما سبق يمثل أكثر من إشارات إلى الاتجاهين الأكثر أهمية في سيكولوجية اليسار الحديث.

تمثل مشاكل اليسار مجرد مؤشر على مشاكل مجتمعنا ككل، فلا يقتصر تدني احترام الذات، الاكتئاب، والانهزامية على اليسار، فبالرغم أنها أكثر وضوحًا به، إلا أنها منتشرة في مجتمعنا، ويحاول مجتمع اليوم أن يُنشئنا اجتماعيُا أكثر من أي مجتمع سابق، لدرجة أن الخبراء يحددون لنا كيف نأكل، كيف نتمرن، كيف نمارس الحب، كيف نربي أولادنا وما إلى ذلك.

النهج إلى السلطة

يحتاج البشر دائمًا إلى شيء سنسميه “النهج إلى السلطة” –ربما يكون له أصل بيولوجي–، وهو يقرب بشكل ما إلى المصطلح المنتشر “الحاجة إلى السلطة” إلا أنهما ليسا نفس الشيء؛ يتكون “النهج إلى السلطة” من أربعة عناصر، ثلاثة منهم سهل التعرف عليهم وهم: الهدف، والمجهود، وبلوغ الهدف، فيحتاج الجميع إلى أهداف والتي في سبيل تحقيقها ينبغي عليهم بذل مجهود، وفي حاجة ماسة أيضًا إلى النجاح في بلوغ بعض تلك الأهداف، أما العنصر الرابع فيصعب تعريفه بالإضافة إلى هامشية الحاجة إليه لأغلب الناس، وهو الاستقلال، وسنناقشه فيما بعد.

تخيل معي التجربة الافتراضية تلك: رجل يستطيع الحصول على كل ما يبتغي بمجرد التمني، ستجد أنه رغم امتلاك هذا الرجل للسلطة، إلا أنه سيعاني من مشاكل نفسية خطيرة، سيمرح كثيرًا في البداية بالطبع، لكن بعد ذلك ومع مرور الوقت سيصاب بالملل والفتور، وقد يصاب نتيجة لهذا بالاكتئاب السريرين ويدلل التاريخ على صحة هذا، حيث أنه وبعكس الأرستقراطيات المكافحة التي يتوجب عليها النضال دائمًا للحفاظ على سلطتها؛ نرى الأرستقراطيات المرفهة دائمًا ما تميل إلى التفسخ، فكونها في أمان دائم بلا حاجة لبذل جهد ينتهي بها الحال بالغرق في مستنقع الملل واللذة الحسية وفتور الهمم، رغم امتلاكهم للسلطة، ويوضح هذا أن السلطة ليست كافية، بل ينبغي على المرء امتلاك أهداف يسعى إليها لتشحذ همته.

يسعى الجميع إلى هدف أساسي –بجانب الأهداف الأخرى– وهو تأمين أساسيات الحياة من مأكل ومشرب، وملبس وملجأ يناسب مناخ بيئته، ومن هنا يأتي فتور وملل الطبقة الأرستقراطية المرفهة، حيث يمتلكون كل تلك الأشياء بلا مجهود.

يؤدي الفشل ببلوغ الأهداف إلى الموت إن كانت تلك الأهداف ضرورات مادية، بينما يؤدي إلى الغضب إن كانت مكملة لضروريات البقاء على قيد الحياة، وإن كان هذا الفشل في بلوغ الأهداف مستمر سيؤدي في نهاية المطاف إلى الانْهِزَامِيّة وتدني الثقة بالذات و
من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!
.

ومن ثم يحتاج الإنسان إلى هدف يتطلب مجهودًا لبلوغه، وكذلك يجب أن يكون معدّل نجاح تحقيقه لتلك الأهداف معقول، لتجنب الأمراض النفسية الخطيرة.


من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!
 
التعديل الأخير:

JOKer 88

متديش للكلب قيمه عشان هيصيح
إنضم
18 نوفمبر 2021
المشاركات
10,777
الحلول
1
مستوى التفاعل
42,776
النقاط
43
المستوي
10
الرتب
10
الموقع الالكتروني
twitter.com
اليسار الحديث وفيه منهم مصريين للاسف وبيعملو مشاكل وبيناقشو حاجات تافهه جدا
مع ان ايجابيات الدوله والوطن لا تري احد
 

tayga

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2021
المشاركات
3,235
مستوى التفاعل
9,788
النقاط
18
المستوي
3
الرتب
3
Country flag
إن تفاصيل هذه القصة من نسجي وإن كانت مستوحاة من حادثة حقيقية هي مأساة عائلة النمساوي جوزيف فرتزل الذي قام بحماية ابنته اليزابيث باحتجازها لمدة ٢٤ عاما في قبو عازل للصوت أسفل منزله واغتصابها بشكل متكرر مما أدى إلى انجاب ٧ أبناء منها عاشوا جميعا في قبوه حتى اكتُشف أمرهم

إذا ما قارنا بين تلك الدوافع "العادلة" "المشفقة" المتوهمة والمهووسة، وبين ما نتج عنها من الكابوس الرهيب الذي حُبست في نيرانه تلك الأسرة المستضعفة البائسة، سنبدأ حينئذ بتفهم الجذور النفسية والعقلية لاستبداد النخب العولمية اليسارية التي تسعى للهيمنة على عالمنا اليوم
منذ ما قبل الثورة الفرنسية وما بعدها واليسار المتطرف يزداد توسيعا وتعقيدا وتفصيلا في نظرياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مرورا باليعاقبة في القرن الثامن عشر فالماركسيين في القرن التاسع عشر فاللينينيين في القرن العشرين، ثم التكنوقراط ومدرسة فرانكفورت وفلاسفة ما بعد الحداثة

وذلك لأن جميع هؤلاء يجمعهم نفس الوهم وذات المبدأ المشترك والمحرك الأساسي والدافع الموحد، وهو أن هذا الكون الفسيح الذي يسبح فيه كوكبنا الصغير هو كون بلا رب يصونه ويرعاه. إنه لتصور يثير الشعور بالوحشة والقلق، الأمر الذي برر لهم بل أوجب عليهم أن يقوموا بدور ذلك الرب "المفقود"

وهؤلاء "الآلهة الجدد" حينما قاموا بالثورة الفرنسية انطلقوا في هدم وحرق الكنائس وحولوا الكنيسة الكاثوليكية في باريس إلى معبد للعقل يعبدون فيه أنفسهم، ويرسمون مشاريعهم لإعادة هندسة المجتمعات بكل تدخلية متطرفة "مقدسة"، لا يجرؤ عليها سوى "الآلهة"

ثم جاء ماركس وانجلز بعقليهما الممتلئتين بأخلاط فلسفات كانط وهيجل وغيرهما ليقررا نيابة عن البشرية أن الملكية الخاصة أصبحت شرا وأن الطريق الأوحد إلى فردوسهم الأرضي (Utopia) يمر عبر الصِدام الدائم بين البشر والثورات الدموية المتواصلة، فيما يشكل ديانة بديلة عن الديانات السماوية

وهنا تتجلى الفجوة بين المنظور اليساري التدخلي وبين المنظور اليميني المحافظ الذي يميل إلى محدودية حجم الإدارة الحاكمة (Small Government) وينأى بنفسه عن جرأة التوغل التدخلي الدائم في تفاصيل حياة الناس، وذلك باعتبار أن للكون رباً يدير شؤونه وأن الحرية الفردية حق أساسي مستمد منه

وأن الأصل في معاملات الناس هو الجواز والخصوصية الثنائية بين طرفي التعامل، لا أن تكون الإدارة الحاكمة طرفا ثالثا في كل تعامل حتى يعود الأصل في المعاملات الحظر إلا ما تقره الإدارة اليسارية الحاكمة. وقد استمرت تلك النظريات اليسارية في تحويل المجتمعات إلى حقول من فئران التجارب

وما فعله اليعاقبة في فرنسا لا يعد شيئا أمام ما فعلته اللينينية والستالينية في الاتحاد السوفييتي من الهندسة الاجتماعية والاقتصادية والتفكيك والتركيب والإملاءات الطاغية من قبل نخبة حاكمة نزحت بالشعب إلى آلاف المعتقلات التي عمت الاتحاد السوفييتي وانتشرت حتى شابهت الأرخبيل البحري
FKldOltXIAQaUlA.jpg

ولقد كان ذلك "الأرخبيل" مناسبة عنوان كتاب المؤلف ألكسندر سولجينيتسن "أرخبيل المعتقلات" (Gulag Archipelago) ، الذي رسم فيه بقلمه السيال بشاعة التجربة السوفييتية بشكل يترك أثره في حياة كل من قرأ الكتاب. وإذا أمعنا النظر لن نجد فرقا بين صنيع هؤلاء النخبة الشيوعية في الشعب
FKldPAuXMAEJe_G.jpg
وبين صنيع ذلك الأب المنحرف في أسرته، فكلاهما توهَّم عدم وجود السلطة الراعية الأعلى فقام بالأخذ بزمام المبادرة وإحلال نفسه في دور تلك السلطة الأعلى حتى أصبحت رعية كل منهما حبيسة في بيت رعب وكوابيس ودم ودموع. وهكذا جميع تجارب الهندسة المجتمعية اليسارية السابقة

كل تجربة منها أنشأت بيت رعب بمواصفاتها الخاصة. وإن كان ضحايا بيت الرعب السوفييتي تجاوزوا عشرين مليونا فإن بيت الرعب الشيوعي الصيني بلغت ضحاياه المئة مليون بما في ذلك الإبادات الجماعية والمجاعات وبرامج الإجهاض الجبري. ولما عاد ذلك الشاب الكمبودي بول بوت إلى وطنه من فرنسا.... عاد يساريا متنورا، كما عاد رفيقه الكمبودي خيو سامفان من باريس بعد الدراسة في السربون على أيدي فلاسفة ما بعد الحداثة اليساريين الذي يؤمنون بعالم بلا حقائق
FKldPvaX0AA_282.jpg FKldPvzX0AA_cTm.jpg

، وما كان من تنويرهما اليساري إلا أن آل بهما إلى قيادة حركة "الخمير الحمر" الشيوعية لإبادة قرابة نصف سكان كمبوديا.... ضمن برامجهما المستوردة من فرنسا لإعادة هندسة المجتمع الكمبودي، الذي ذهب ضحية "حقول القتل" (Killing Fields).

FKldPvRXIAA50H7.jpg

وامتدادا لرهبان "معبد العقل" بباريس ظهر في الثلاثينيات من القرن العشرين جماعة هندسة اجتماعية أخرى سموا انفسهم بالتكنوقراط (Technocrats) ، لا يرون الإنسان سوى.... "حيوان بشري يتكون من ذرات كيميائية مشتقة من المواد غير العضوية العادية للأرض ، والتي تعود في النهاية إلى المكان الذي أتت منه"، كما هو مدون في دورة الدراسة التكنوقراطية عام ١٩٣٤. وبالتالي ليس الإنسان سوى إحدى الموارد التي تعامل كسائر الموارد الطبيعية

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

وكانوا فئة من التقنيين والمهندسين الذين يرون أنهم يملكون حلول جميع مشاكل البشرية، وذلك بإعادة هيكلة المجتمعات البشرية بهيكليات مصنعية وتحويل البشر إلى مجرد موارد للتمكن من بلوغ الحد الأقصى من استغلالها. حتى الممثل تشارلي تشابلين سخر من غلو أفكارهم.



وطالبوا باقتصاد يقوم على الموارد بدل الاقتصاد الرأسمالي القائم على العملة، كما رسموا هيكلة جديدة للحكومة الأمريكية يُلغى بموجبه الكونجرس ويحل محله مجلس حكام تكنوقراط بهرمية جديدة، في سبيل الخروج بأمريكا من آثار "الكساد الكبير". وكادوا يقنعوا الرئيس روزفلت لولا خوفه على منصبه.
FKldQ_cXoAAZbVv.jpg

إن هؤلاء اليساريون لا يملون ولا ينتهي تلذذهم بإجراء التجارب بعد التجارب في المجتمعات البشرية، كلما انهار بيت رعب سارعوا في تأسيس بيت رعب آخر، لتفادي "هفوات" التجربة السابقة. وسيظلون كذلك لأن عقلية الأب المهووس ما زال يعيش في رؤوسهم ويخلق منظورهم للعالم وسكانه.

ولذلك عاد التكنوقراطي زبغنيو بريجنسكي (مستشار الأمن القومي الأمريكي) في السبعينيات من القرن العشرين ليحيي الحراك التكنوقراطي المادي بدعم وتمويل من البليونير ديفيد روكفلر، وأسسوا اللجنة الثلاثية (Trilateral Commission) الممتدة على ثلاث قارات.والتي فصلت حولها في تغريدة سابقة.

وقد تزامن مع ذلك قيام شاب تكنوقراطي ألماني، زميل لهنري كسنجر، اسمه كلاوس شواب بتأسيس المنتدى الإداري الأوروبي، والذي تحول فيما بعد إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يدير اليوم الحراك التكنوقراطي، بشراكة فاعلة من الأمم المتحدة وكبريات الشركات المتعددة الجنسيات
FKldRudXoAEp1CZ.jpg

وعلى طريقة الشبان اليعاقبة إبان الثورة الفرنسية (ومنهم ماركس) كان هذا المنتدى يدير برامج تدريب وتأهيل لتكنوقراطيي المستقبل يسمى "القادة العولميون الشبان" (Young Global Leaders). وقد نتعجب حينما نتعرف على هوية كثير من أولئك الخريجين وإلى أين وصلوا اليوم

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

كل ما يجري هو تكرار آخر لتجارب سابقة من منطلق وجوب إيجاد مجموعة نخبوية ترعى هذا الوجود المتروك هملا، تكون هي الناطقة وحدها باسم العلم (بل العِلموية)، والحرة في التصرف في تفاصيل حياة الأمم، القانونية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية بل وحتى الصحية والشخصية، باسم الصالح العام.

وإن كان ثمة فرق بين النخبوية العولمية اليوم عما قبلها فهو أنها أصبحت تمتلك من التقنيات ما يزيد من قدراتها على فرض أجنداتها، لا سيما مع تزايد اعتماد الشعوب على الوسائل الالكترونية والانترنت في حياتهم، والتي شرع العولميون في تطويرها إلى وسائل لمعاقبة غير الممتثلين لإملاءاتهم.

وكمثل ذلك الأب المهووس بالقلق فإن هؤلاء العولميون يتظاهرون بقلق هوسي حول التغير المناخي، ذلك البعبع الذي فندته الأكثرية الكاسحة والمتزايدة من الدراسات، ومنها دراسات أممية، فلم يبق شك أنها ذريعة أخرى للنهج التدخلي في مقدرات الشعوب، وبكل صلف وفوقية.

يتبع
 
التعديل الأخير:

tayga

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2021
المشاركات
3,235
مستوى التفاعل
9,788
النقاط
18
المستوي
3
الرتب
3
Country flag
تكملة المقالة ▼

إلا أن هنالك ناحية مظلمة يجاهدون في عدم تسليط الضوء عليها:
❓
How Much Will It Cost
كم سيكلف؟ إن ما لا يريدون لنا معرفته أن تقديرات تكاليف "أفكارهم" المناخية يتجاوز ١٠٠ ترليون دولار. فيأتي السؤال الآخر:
❓
Who gets the money
إلى من يذهب المال؟

إليكم اجندة 150 تريليون دولار الخفية وراء "الحملة " ضد تغير المناخ

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

ولولا مدى خطورة هلوساتهم لكانت مسلية ومضحكة، كمثل ذلك الخطر الداهم على البشرية من ضراط الأبقار! وأثرها الكربوني المدمر للمناخ! والحل هو السعي في رفع أسعار اللحوم لدفع الناس إلى البدائل النباتية. وفجأة ابتلع بيل غيتس ثلث المساحات الزراعية الأمريكية.

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

بل أصبح بيل غيتس أكبر مالك لحقوق الملكية على البذور. فإذا تحقق ما يحلمون به وترك الناس أكل اللحوم واعتمدوا في غذائهم على المنتجات النباتية سيصبح غيتس ورفقته العولميون "أرباب" الموارد الغذائية. أليس غيتس من قاتل لأجل الإبقاء على حقوق ملكية لقاحات كوفيد؟

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

وكسائر تجارب الهندسة المجتمعية السابقة تزداد النخبة المهيمة ثراء ونفوذا على حساب الشعوب. فلقد كانت الطبقة الحاكمة السوفييتية تأكل الكافيار وتشرب النبيذ الفرنسي والشعب يرزح تحت قانون "تكدح على قدر استطاعتك وتأخذ على قدر حاجتك". أهناك مدعاة للتفاؤل بأن نخبويي اليوم يختلفون؟
النخبة
النخبة.jpg

الشعب
الشعب.jpg

والعولميون هؤلاء انحطوا إلى أوطأ درجات استغفال الشعوب، فقد أدرجوا تحت مظلة "مكافحة التغير المناخي" أجندات الهيمنة الاقتصادية، ليحتكروا وحدهم تحديد معايير النجاح التجاري (ESG) بعيدا عن قاعدة العرض والطلب، ليقضوا على تاريخ "أزلي" من السوق الحرة ازدهر من خلالها اقتصاد الأمم.

والأخطر من ذلك هو أن يكون "مكافحة التغير المناخي" غطاءً لتمرير أجندات إعادة هندسة أخلاقية للبشرية جمعاء، عبر برنامج التربية الجنسية الشاملة (Comprehensive Sexual Education CSE) الذي دسوه أيضا ضمن معايير (ESG) لتقييم أداء الشركات، لا سيما في الدول المعتمدة على المساعدات

إن من الواقع الذي لم يعد مثارا للشك أن هؤلاء العولميين كسابقيهم لا يدركون حقيقة ما يفعلون، مهما انتفخت شعاراتهم وبياناتهم غطرسة. وكم يتضح ذلك من خلال توظيفهم الاستثماري لجائحة كورونا وتلاعبهم بالحقائق وقتالهم المستميت في عدم الإفصاح عن نتائج التجارب التي بموجبها أقرت اللقاحات.

فقد أبرمت شركات الصناعات الدوائية عقودا ضخمة مع أكبر مكاتب المحاماة الأمريكية لإفشال أي مساعي قضائية لكشف نتائج تجارب هيئة الغذاء والدواء الأمريكية. فإذا بهم يتفاجؤون بشركات التأمين على الحياة تكشف الواقع الذي يسعون بكل شيطانية في إخفائه عن شعوب العالم

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

بل إن هنالك محللين استثماريين كبار مثل إدوارد داوْد (محلل سابق بشركة بلاك روك) يتوقعون ضغوطا هائلة من شركات التأمين من أجل كشف بيانات هيئة الغذاء الدواء، ويرى بأن رفضها للإفصاح مؤشر على وجود تزوير من شأنه رفع الحصانة عن شركات الأدوية وبالتالي إفلاسها

ولذلك علينا جميعا أن نستشعر دوما تلك الطمأنينة والسكينة وراحة البال لأن هؤلاء كسابقيهم لن يعْدو قدرهم، وهم ظاهرة مرحلية عابرة كسابقيهم، مهما نجحوا في درجات تشييدهم لبيت رعب جديد آيلٍ للسقوط. فشعوب الأرض تزداد وعيا وبصيرة حول هذا "الأب المهووس" الجديد. ويكفينا إقرارهم بذلك.




المصدر
 

tayga

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2021
المشاركات
3,235
مستوى التفاعل
9,788
النقاط
18
المستوي
3
الرتب
3
Country flag
💡اللغز الأكبر؟
إذا كانت المنشآت التجارية والمالية الأمريكية تمثل النموذج الرأسمالي في أقصى تطرفه فكيف ولماذا اتجهت مؤخرا إلى تبني بل وإنفاق الثروات في الترويج لتعاليم الووكِزم (الاستيقاظية) ، الوصف الحركي للماركسية الثقافية، والمتطرفة في معاداة الرأسمالية؟ هذه محاولة لتفكيك ما يبدو محيرا.
FJkXDXtXwAcgXfg.jpg

ذلك النموذج الاقتصادي الذي انتقاه "الآباء المؤسسون" للولايات المتحدة، ووضع أسسه الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث، نموذج الرأسمالية والسوق الحرة، الذي جعل من الدولة حاميا وخادما للسوق لا العكس، وخضع لقانون العرض والطلب. وضمِن استقرارا نسبيا عبر تاريخ من الحروب والأزمات.
FJkXD_iXoAIDCA_.jpg

لقد كان من المدهش حينما قام أحد المبلغين عام ٢٠٢١ بإفشاء قيام شركة كوكا كولا بتنظيم برامج تدريبية إلزامية لموظفيها بعنوان "كن أقل بياضا"، كما أستحدثت ضوابط توظيف وترقية تتخذ من لون البشرة وغيره من تصنيفات الماركسيين الجدد معايير للمفاضلة والمحاصصة
FJkXEoeXMAMKvnv.jpg

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

إلا أن الأمر لم يكن حصراً على كوكا كولا، بل استشرى هذا الاصطفاف الأيديولوجي بين كبريات الشركات والمصارف، حتى تحولت إعلاناتها التجارية إلى بيانات فكرية يسارية متطرفة، وتسجيل لمواقف سياسية ودعوة لتعاليم ثورية مجترة من أمعاء الماركسية المهووسة بالتفكيك والتشتيت الفئوي للمجتمعات.

ففضلاً عن تناغم تلك المؤسسات الكبرى في دعمها المالي السخي للجنوح اليساري العولمي المتزايد لدى الحزب الديمقراطي، فقد أصبحت ميزانياتها الإعلانية الهائلة "صدقةً" في سبيل فرض قضايا الصحوة الماركسية (Wokeism)، مثل تأجيج لهيب الشقاق العنصري ليظل هاجسا حيا وتكريس شيطنة البشرة البيضاء.

وهذا مثال بل تذويقة طفيفة من بحر الإعلانات التجارية المكرسة لدعوى أن كل النظم التي تقوم عليها الولايات المتحدة تقوم على العنصرية الممنهجة. إعلان في قمة الإبداع الإخراجي والتمثيلي والتأثيري. و لي طلب هنا؛ خلال مشاهدتكم لهذا الإعلان حاولوا تخمين البضاعة المعلن عنها

يستحيل من مجرد محتوى هذا الإعلان التعرف على طبيعة المعلِن أو البضاعة المعلَن عنها، فالمحتوى درامي موجه وليس تجاريا في شيء. المعلن هي شركة بروكتر آند غامبل، إحدى أكبر الشركات المصنعة للمنتجات المنزلية والتجميلية، مثل Tide و Pampers وغيرها. فما الذي ترجوه الشركة من هكذا انهماك؟



وهذه الأدلجة العنصرية والبروبجاندا العاطفية التي أغلبية مروجيها هم من اليساريين البيض، ما تزال محل إنكار ورفض مئات بل آلاف المفكرين والأكاديميين والكتاب السود كمثل توماس سول (Thomas Sowel) وليري إلدر (Larry Elder) ممن تحيطهم قنوات الإعلام اليسارية بالتعتيم والتهميش المتعمد

وهذا مثال آخر؛ إعلان "تجاري" تخيلي يظهر عجوزا مع ذريتها تزور قبر أخيها ليتفاجأ الجميع بتجلي روح ذلك الميت الذي يفشي لهم بسره الدفين الذي كتمه عنهم خلال أعوام حياته التي قضاها بينهم، وذلك السر هو شذوذه الجنسي، الأمر الذي تلقته العائلة بالقبول والبهجة. وذلك برعاية شركة دوريتوز



لم يقف الأمر عند هذا الحد، ولكن تعداه إلى تسابق الشركات إلى دعم ورفع شعارات منظمات ماركسية تعلن أن غايتها هي هدم النظام الرأسمالي في أمريكا، مثل تنظيم "حياة السود مهمة" وتنظيمات أنتيفا اليسارية التخريبية. بل ومقاطعة كل من يعلن انتماءه الوطني الأمريكي

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!

لنعد إلى الوراء قليلا، إلى مرحلة أشرت لها في تغريدات سالفة، مرحلة حيرة الماركسيين، تلك الحيرة التي امتدت نتيجة عدم تحقق ما جزم كارل ماركس بتحققه، وهو أن النظام الرأسمالي بطبيعته سيؤول إلى ثورات عمالية تعم العالم وتسقط كل الأنظمة. وهذه الحيرة خرّجت عددا من المدارس الماركسية

كلٌ منها أجهدت نفسها في الإجابة عن أسباب عدم تحقق وعد معلمهم ماركس، ومحاولة تجارب جديدة معدلة، في مسعىً "تقدمي" لا نهائي. ومن تلك التجارب ما صاغه بينيتو موسوليني رئيس وزراء إيطاليا
FJkX-6kXsAEA_by.jpg
، فبدلاً من تملك الدولة جميع مصادر الإنتاج وإلغاء الملكية الخاصة، فقد أبقى على الملكيات الخاصة.... وجعَل تلك الملكيات الخاصة خاضعة لتحكم الدولة التام. وذلك من منطلق شراكةٍ بين المؤسسات الخاصة وبين الدولة، من شأنها تقوية جميع الأطراف كما تستقوي الأعواد إذا اجتمعت في حزمة أو ربطة واحدة. كلمة "ربطة" يقابلها باللغة الايطالية كلمة "فاسيو" (Fascio)، ومنها ظهر مصطلح الفاشية
FJkX_lrXIAgj0Mp.jpg

ثم انتقل النموذج الفاشي إلى ألمانيا عبر صديق موسوليني ورفيقه الاشتراكي آدولف هتلر وحزبه: حزب عمال ألمانيا الوطني الاشتراكي. وهنالك تجلت للعالم بشاعة تلك الاشتراكية الفاشية التي حولت الشعب إلى فئران تجارب وجعلت ألمانيا مختبرا لتجارب إعادة الهندسة المجتمعية بنتائجها الفظيعة.
FJkYAVjX0AwKW-E.jpg

هنالك عبر التاريخ لحظات مرت عابرة لم يدرك الأكثرون مدى كونها منعطفات مفصلية. ومنها أن تشرتشل برغم قيادته الباهرة ومساهمته هزيمة النازية إلا أنه خسر أول انتخابات بعد الحرب. والخلفية حول ذلك هي أنه بعد الحرب العالمية عاد ليجد نفسه في حرب شعواء ضد المد الاشتراكي في وطنه
FJkYBHNXMAUKtJc.jpg
فبينما كان تشرتشل مشغولا بالحرب كان حزب العمال يتقدم في كسب الشعبية بوعوده بخطة تحول اجتماعية، إلا أنها في حقيقتها تسعى لتحويل سلطات الطوارئ التي تمتعت بها الدولة وقت الحرب إلى سلطات دائمة، تمهيدا لإعادة هندسة مجتمعية أخرى يقوم بها الاشتراكيون. وهو ما دفع تشرتشل ثمن رفضه له… فقد خسر الانتخابات، وهذه من مفارقات التاريخ حيث استعاد الاشتراكيون حكم بريطانيا فور انتهاء حرب دموية ضروس ضد نموذج اشتراكي آخر.

هذا ما جرى في أوروبا، وأما في أمريكا فقد ظهر في ذات المرحلة مجموعة من العلماء والمهندسين التقدميين بجامعة كولومبيا بمدينة نيو يورك.. ..بعد أحداث الكساد الكبير الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي خلال الثلاثينيات من القرن السالف، وقد جمعتهم قناعة بأن الساسة هم سبب كل الأزمات وأن حل جميع المشاكل لا سيما الاقتصادية بيد العلماء والمهندسين ويكمن في إعادة هندسة المجتمعات، وأسسوا ما أسموه بالتكنوقراطية (Technocracy)
FJkYBydXsAM6KVW.jpg

وقد عملوا من منطلق أن النظام الرأسمالي والسوق الحرة يحتضر، وأنهم قد هيؤوا له بديلا يلغي العملات كأساس للاقتصاد. ولكن مع الانتصار الأمريكي في الحرب العالمية الثانية وعودة الاقتصاد للازدهار فقد تعطلت أجندات الحراك التكنوقراطي ولكنها لم تمت.

ففي ١٩٧٣ قام الثري الأمريكي ديفيد روكفيلار بمساعدة مستشار الأمن القومي الأمريكي زيبغنيو بريجنسكي وهنري كيسنجر بتأسيس منظمة غير حكومية اسمها "اللجنة الثلاثية" (Trilateral Commission)، تجمع أعضاء من أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا الشرقية، وهدفها إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد.
FJkYCe_X0AYEDso.jpg

وكان دافع روكفلر حماية ثرواته من انهيار النظام النقدي، فتم إنعاش الأجندة التكنوقراطية التي تنبأت بذلك الانهيار. وصاغوا نظاما اقتصاديا عالميا جديدا قائما على الموارد بدلا من النقد. وليس من المصادفة أن الأمم المتحدة عام ١٩٧٤ أصدرت قرارا بعنوان "تأسيس نظام اقتصادي دولي جديد".

وكان لهذا النظام الاقتصادي الجديد البديل عن اقتصاد السوق الحر تسميات من أشهرها "الاقتصاد الأخضر" و"التنمية المستدامة" (Sustainable Development). ويهدف إلى جعل موارد العالم تحت إدارة نخبة عولمية من الخبراء، مما أدى لمزيد نفوذ لروكفلر، ولأمثاله ممن حملوا اللواء بعده كبيل غيتس

وتطور هذا النظام إلى شكله اليوم الذي بلورته اتفاقية باريس للمناخ وبنود إعادة الضبط الكبيرة التي يشرف عليها المنتدى الاقتصادي العالمي المحاط بحضور ومشاركات أعضاء "اللجنة الثلاثية" التي أسسها روكفلر. ونشأ ما يسمى معيار البيئة والمجتمعية والحوكمة (ESG Criteria).
FJkYDWkXMAoetVe.jpg

وهو معيار يعد بمثابة تقييم ائتماني للمستثمرين وللمنشآت التجارية والمالية، يتم في ضوئه منح التسهيلات والامتيازات بحسب تقييم كل منشأة، حتى يصل الأمر إلى حرمان ونبذ المنشآت ذات التقييم الضعيف. وهنا يتجلى التحول الهائل من النظام الرأسمالي وقواعد السوق الحر....الذي يجعل معيار النجاح والفشل نابعا من السوق ذاته من حيث العرض والطلب والربح. بل أصبح معيار النجاح والفشل يعود لمقررات نخبة عولمية تزداد نفوذا وتحكما، بيدها تحديد الناجحين والفاشلين وفقا لأجنداتها المناخية الإملائية، والأخطر من ذلك أن يكون وفقا لأجنداتها الأيديولوجية.

لا سيما من خلال الشق المجتمعي من معيار (ESG). والقضايا المجتمعية في الغرب اليوم واقعة تحت سيطرة أدلجات الماركسيين الجدد التي اجتمعت لتكوّن حراك الووكزم (الاستيقاظية) (Wokeism)، التي تروج دعوى خضوع الأقليات لاضطهاد وعنصرية ممنهجة ومتجذرة في النظام الرأسمالي، وأن كل فئة مضطهدة تعد أقلية

فالسود أقلية مضطهدة من قبل الفوقية البيضاء، والشاذون حنسيا أقلية مضطهدة من قبل فوقية المستقيمين، والمتحولون جنسيا أقلية مضطهدة من قبل فوقية الطبيعيين، والبدينون أقلية مضطهدة من قبل فوقية ذوي الرشاقة، وهكذا حتى لا يبقى من المجتمع مساحة يمكن تفتيتها.

ولأجل ذلك وجدنا كبريات الشركات ذات العلامات التجارية العالمية قد اصطفت ضمن هذا الحراك المجتمعي اليساري المتطرف، وأمعنت في برامج تدريبية ومحاصصة في التعيين والترقيات وفق تلك الأيديولوجيات، وهبت في حملات إعلانية تسعى من ورائها إلى رفع تقييمها قدر المستطاع ضمن معيار (ESG)

لما يترتب على ذلك من إتاحة مقومات النجاح لها وتوفير والتسهيلات والحماية. ولم تكن تلك الشركات التجارية والمالية الكبرى لتنقلب بهذا الاتجاه اليساري المؤدلج المتطرف لولا تطرفها الرأسمالي الذي يقدس الجشع باعتباره أعلى القيم. فما كان من تطرفها الأول إلا أن ساقها إلى تطرفها الآخر.
FJkYtsYXsAIPtmh.jpg

المصدر
 

tayga

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2021
المشاركات
3,235
مستوى التفاعل
9,788
النقاط
18
المستوي
3
الرتب
3
Country flag
@OSORIS
@Nile Crocodiles
@Shokry

انا ضفت مقالات جديدة , لو حابيين تقروها
ومن هنا ورايح الموضوع دة هايكون الموضوع الشامل والمتجدد لاى كلام او اخبار عن اليسار الجديد
 

Nile Crocodiles

طاقم الإدارة
إنضم
19 نوفمبر 2021
المشاركات
6,682
مستوى التفاعل
29,971
النقاط
28
المستوي
6
الرتب
6
Country flag
من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوى !
@tayga

بصراحة موضوع اكثر من ممتاز يا استاذنا ويوضح الوجه الحقيقي لليساريين وهم الوجه الجديد للاشتراكيين او بمعنى اصح الطبقة التكنوراطية والتي تسعى الى بث افكارها المسمومة بين طبقات المجتمعات على امل ان تصل الى مبتغاها...........

ولعلى الجزء الذي اقتبسته من مقالك الشيق يثبت ان هذه الطبقة والمتمثلة في كبرى الشركات العالمية لديها اجندة محددة وتسعى الى تطبيقها لكن اتوقع انهم لن ينجحوا لان المجتمعات اصبحت اكثر وعيا واستيقاظا عما كانوا عليه سابقا
تحياتي لك
 

Nile Crocodiles

طاقم الإدارة
إنضم
19 نوفمبر 2021
المشاركات
6,682
مستوى التفاعل
29,971
النقاط
28
المستوي
6
الرتب
6
Country flag
من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوى !
رئيسة الوزراء الجديدة ايضا يا استاذي انتقدت وبشدة اليسارين وانتقدت الظواهر الشاذة والافكار الغريبة المسمومة والتي يروجها اصحاب هذا الفكر الشيطاني واعلنت تمسكها بالدين والتقاليد والعادات وهذا يعتبر الفكر المضاد لهؤلاء الماركسيين الجدد
تحياتي لك
 

مرمبتاح

عضو مميز
إنضم
21 نوفمبر 2021
المشاركات
5,017
مستوى التفاعل
17,271
النقاط
28
المستوي
5
الرتب
5
موضوع مركزي عزيزي تايجا يلخص كثير من التفاصيل الجاريه علي الساحه الدوليه من منظور اعلي ..

بخصوص ليه اليسار ومن وراءهم الشركات متعدده الجنسيات الكبري عامله موضوع المناخ ترند دولي رغم ان التغيرات المناخييه من فوق ال ٨٠ سنه بتحصل وهي :

١ رغبه من الغرب في الضغط علي الدوله الناميه لتغيير خطوط الانتاج بتاعتهم وتحديثها بماكينات متوافقه مع البيءه -حسب زعمهم- فتربح الدول الغربيه المنتجه لخطوط الانتاج طلبيات ماكينات ضخمه لاسيا والعالم وعلي رأسها المانيا وكندا من أكبر منتجي خطوط الانتاج لذلك تلاقي المانيا اكبر دوله بتساند وتروج لقضيه المناخ

Screenshot_20221021-034115_Chrome.jpg
٢ عندما تشتري هذه الدول الناميه والاسيويه خطوط إنتاج أحدث ومتوافقه مع البيءه ستضطر شركات هذه الدول الناميه لرفع اسعار منتجاتها لتعويض تكاليف شراء هذه الماكينات مما سيجعل اسعارها تقترب من الغربيه ذات الجوده الافضل وبالتالي سيقلل من تنافسيتها لصالح الغربيه وخساره عملاءها في الخارج
٣ ومن ناحيه اخري الغرب بجانب ترند التغيير المناخي اللي شغال فيه للدول الناميه بيدعم الان بقوه الحركات العماليه اليساريه في العالم اعلاميا وتمويليلا وتعليميا عن ريق استهداف الطلبه الاسيويين خاصه الصينين في انجلترا وتدجينهم بمثل هذه الافكار اليساريه خاصه في آسيا والهند وفيتنام وتايلاند حتي يطالبون بحقوقهم ورفع اجورهم مما يرفع تكلفه منتجات هذه الدول ب لتفقد صادراتها ميزه السعر المنخفض اللي هو أكبر عامل لكسبها أسواق خارجيه لصالح منتجات الغرب وايضا تفقد جاذبيتها للاستثمار الأجنبي اللي بيجي بالأساس بسبب قله تكلفه العماله وثانيا ضعف الاشتراطات البيءيه في اسيا علي المصانع مما سيقلل ربحيه المستثمر الاجنبي ومن ثم خروجه وغلق مصانعه في آسيا والعوده لاوروبا وامريكا بحجه انها مابقتش فرقه والاستثمار في آسيا مربح زي زمان.. .

٤ الدول الناميه اللي بتتبع روشته الغرب في التغيير المناخي وتغيير خطوط انتاجها للطاقه الملونه للبيءه بجانب انها هتشتري خطوط جديده من الغرب هتضطر تاخد قروض دوليه منه مما يجعلها فريسه للافلاس وبيع اصولها للشركات متعدده الجنسيات والمقرضيين وده اللي حصل مع سيرلانكا لما قررت الزراعه العضويه دون سماد وسقف ليها الغرب والنتيجه انهار قطاعها الزراعي وخصوبه ارضها وافلست والنقطه دي ماحدش هيتكلم عنه ابدا من الإعلام الدولي الموجه

الغرب قعد ٢٠٠ سنه يدمر في البيءه وخبراء المناخ يجعروا ولا حد عندهم سامع واول مادول تانيه بدأت تنتج وتصنع واتنافسهم هوب افتكروا البيءه والتغير المناخي

باختصار اليسار زيهم زي الجماعات الدينيه وزي اليهو..ود ماهم الا جماعات وظيفيه فاءدتها التخديم علي الاجنده السياسيه والاقتصادية الغربيه واستمرار سيطرتهم علي العالم وحياه سكانه ..
مظاهر ومباديء جميله في ظاهرها بيروجوها لخداع العقول التي تري الامور بعنيها وظاهر عقلها وليس بعقلها ووعيها وحدسها...
موضوع مميز .. ياريت تكمله علي قد ماتقدر عزيزي تايجا
 
التعديل الأخير:

مرمبتاح

عضو مميز
إنضم
21 نوفمبر 2021
المشاركات
5,017
مستوى التفاعل
17,271
النقاط
28
المستوي
5
الرتب
5
المثليه الجنسيه جزء من اجنده اليسار والنيوليببرال
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,785
مستوى التفاعل
29,618
النقاط
43
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوى !
للاسف أسوأ طريق لهدم الأسر وانهاء الجنس البشرى ولكن من الغباء أنهم متوقعين أن ده هيخلص على الشرق والشرق الأوسط والعالم العربي.

إنما الواقع بيقول أن هما اللى هينتهوا بنفس السلوك الشاذ ده وتنتهى الأسر عندهم والعائلة وبعدها تفكك الدولة بالكامل.

الله حرقهم جميعاً.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن

أعلى أسفل