عن قصة "
" بالتفاصيل والأرقام !!
في عام 1863 بيتولى " إسـماعيل باشا " حكم مـصر واللي كتبت عنه مدام "
" في كتابها " كشف أسرار مصر Les mystères de l'Égypte dévoilés
" لم يكن اسماعيل يهتم إلا بجمع الملايين ، ويعقد القرض تلو القرض لآجال طويلة ، تاركًا لمن يخلفُه في الحكم أن يسدد هذه الديون ، حتى بدا وكأنه يُعقد مهمة الحكم لمن سيأتى من بعده "
رحلة الخديوي إسـماعيل مع القروض رحلة بدأت تـحديدًا سنة 1864 ، وبعد إنتشار مرض " الطاعون البقري " في القرى المصرية ، طلب إسـماعيل من بيوت إقراض المال في أوروبا قرض عاجل لمواجهة الوباء ، ولتعويض الفلاحين عن خسارتهم ، ورغم إن الحكومة صرحت إنها قدرت تتعامل مع الموقف وصرفت تعويضات تجاوزت الـ 125 ألف جنيه وحلت الازمة خلاص ، إلا إن إسـماعيل بجشعه وحبه للأقتراض ، أصر على إستكمال المفاوضات ، فتمت مخاطبة بيت "
و
Fruhling and Goschen " الإنجليزي ..علشان يحصل على- القرض الأول - في 24 سبتمبر من نفس السنة بقيمة 5 مليون جنيه = ( 10 مليار جنيه تقريبًا حاليًا ) وبفائدة وصلت 7 % على 15 سنة !!! وده كان أول تصرف غريب وغير مفهوم تمامًا في إدارة إسماعيل للدولة !!
لكن أغلب الأراء قالت إن القرض معظمه راح رشاوي " للباب العالي " في تركيا.... علشان يطلب فرمان بتولية أولاده لحكم مصـر.. وإبطال الفرمان القديم بتولية أكبر أولاد "مـحمد على" وبالتالي نقل سلالة الملكية في نسل إسـماعيل باشا !! و فعلاً حصل على الفرمان في 1866 !!
و سنة 1865 يعني بعدها بسنة واحدة ، إيديه اللي بتأكله في القروض دائمًا ، خليته يفكر في توسيع دائرة أملاكه وأطيانه داخل مصر وخارجها ، فظهر قدامه قصر "
" اللُقطة في منطقة البسفور ، وقرر يشتريه علشان لما يسافر "الأستانة " لمقابلة السلطان ، ينزل هناك مع أسرته العلوية . .ورغم إن مفيش أي حاكم مصري كان له قصر في المنطقة دي قبل كده ، لكن ده شجعه أكتر علشان يصبح هو أول حاكم مصري عنده قصر في الأستانة ، ثم أصدر نفس الأوامر في مصر بإنشاء سرايا " الـجيزة " وفي أسرع وقت ممكن !!لكن وبما إن القصور عاوزة فلوس ، والفلوس مش متوافرة في خزينة الدولة أساسًا ، قرر وبعد 8 شهور بس من القرض الأول إنه يستلف من جديد ، لكن المرة دي القرض هيكون من بنك "
" الإنـجليزي ، فأستلف 3 مليون و300 ألف جنيه ، وصلوا وزارة المالية 3 مليون بس.. لأن الـ 300 ألف راحوا في السمسرة والعمولات ورسوم القرض ، ورهن " إسـماعيل " في مقابل ده لأول مرة أرض " من أملاكه الشخصية " تجاوزت 365 ألف فدان !! عرُف ده في التاريخ ( قرض
)
لاحقًا توجهت إدارة " إسـماعيل باشا " لبنك "
" الألماني 5 يناير 1866 علشان ياخد (القرض الثالث) و بقيمة 3 مليون جنيه ، مقابل التنازل عن " إيرادات السكة الحديد "!! والغريبة إنه تفاوض على القرض ده في نفس مفاوضات القرض الثاني!! يعني كان بيلعب على البنكين في نفس الوقت ، والهدف اللي دفعه للقرض المرة دي ..كان شراء أملاك الأميرين " مصطفى فاضل ، ومحمد عبد الحليم " ودول كانوا أعداءه في الأسرة والسلطة خصوصًا بعد تغييره نظام التوريث الملكي .. فكان عاوز يتخلص منهم بأي شكل .. فأخد القرض وأشترى أملاكهم ، وجزء من أملاك أعمامه بقيمة مليون جنيه ..!! والجزء اللي فضل راح رشاوي تانية للباب العالي شكر وتأييد للفرمان اللي أصدروه بنقل التوريث في أولاده
طبعًا " إسـماعيل " مكانش عنده تفاهم ، السنة اللي تعدي من غير قروض.. مش محسوبة من عمره.. ، فيطلب قرض في 1867 من بنك مجهول بـقيمة 2 مليون و800 ألف جنيه ( حوالي 5 مليار جنيه حاليًا ) ، الحكومة فورًا طلبت تفسير للقرض والهدف منه ؟! وكانت الإجابة بكل بـجاحة إنه علشان يمول إنشاء ( قصر القبة ) ، و( قصر الزعفران ) ، وتطوير حديقة الأزبكية ، وإنشاء مضمار للخيول !!.. مش علشان يأكل الشعب ولا يعمل مصانع ولا حاجة... وإن شوية الفكة اللي هيتبقوا من الفلوس دي هندفعها فوائد للديون القديمة اللي تراكمت علينا !! والغريبة إن محدش إتكلم ولا قال أزاي تعمل كده كالعادة اومال كنتم بتسألوا ليه؟!
بحلول سنة 1868 .. الموضوع دخل في الغميق جدًا ، إنت بتكلم عن إحتمالية قرض خامس وزيادة فوائد خطيرة هتوصل ل10 مليون جنيه!! ولكن كل ده مهتمش بيه إسـماعيل ..و قبل ما يبدأ المفاوضات على القرض الجديد يقرر إنه يعين "
" ناظر للمالية ، وكان لقبه ( المفتش ) لأنه كان مُفتش عام للدولة المصرية على كل أملاكها ، وبصفته أخو " الخديوي إسـماعيل " من الرضاعة ، تولى بالمجاملة وزارة المالية ، علشان يكمل سلسلة الديون السوداء ..ويساعد الخديوي في الحصول على قرض تاني من بنك "
" الألماني للمرة التانية ...ولكن التنازل المرة دي هيكون عن حصص في " إيرادات الكباري ، وشركة الملح ، وبعض مدخولات من الجمارك " وبلغت قيمة القرض 11 مليون جنيه ، ( 20 مليار جنيه حاليًا ) والمبلغ الضخم ده كان علشان يقدر يغطي كمان إحتفالات "قناة السويس الجديدة" اللي تم إفتتاحها في العام التالي مباشرة وأتصرف عليها جزء من القرض حوالي ( 2 مليون ونص جنيه ) = ( 5 مليار )
طبعًا سلسلة القروض طويلة.. لكن إختصارًا للوقت.. هقولك إنه خد قرض سنة 1870 بقيمة 7 مليون جنيه من البنك الفرنساوي المصري ، علشان توصل مجموع القروض تقريبًا لـ 25 مليون جنيه ، ثم يقترح "
" ناظر المالية على " إسـماعيل " إنه يحاول يستلف من "الفلاحين" علشان يسدد فوائد القروض القديمة..فأصدر قانون "
" أو "
" بيشجع فيها الفلاحين إنهم يدفعوا ضرائب لـ 6 سنين جاية على أراضيهم ..مقابل إعفائهم من نصها حاليًا وإعفاء 3 سنين إضافية بعد نهاية المُدة ، يعني بدل ما هتدفع مثلا 1000 جنيه ضرائب كل سنة لأ هناخدها منك دلوقتي بس 500 وخلاص كده .. وبكده تكون دفعت 3 سنين ضرائب... وأنت الكسبان ..ولكن الناس رفضت القرار و ضرائب إيه لـ 6 سنين دي إذا كان مفيش مستقبل واضح قدامنا خصوصا ان الحكومة كانت باعت القطن لأمريكا علشان تاخد قرض قبل كده وخسرت الفلاحين ارباحهم . وبالتاليمكانش حد طايق اساسا اللي بيحصل !! ورغم كده تم إجبارهم على الضريبة بالتهديد والترغيب !!
ولمدة 3 سنين كاملة ميدخلش " إسـماعيل " أي مفاوضات لقروض مع أي بنك أو بيوت مال أوروبية .. ده لان "
" أصدرت فرمان بإيقاف سلسلة القروض ، وقالت إن خطوات إسماعيل المالية بتهدد سلامة وإستقرار النظام المالي المصري و هيفقدها سيادتها لصالح الدائنين الكبار لاحقًا ..لكن و بعد 1872 و سلسلة مفاوضات و رشاوي وضغط أوروبي مبنى على المصالح طبعًا ، تم إلغاء الفرمان ، وعاد " إسـماعيل " لنزواته وجشعه ويقرر يضرب الضربة القاضية تمامًا للاقتصاد المصري !
ففي سنة 1873 بتطلب مصر (
) اللي إتعرف بإسـم " القرض الكبير " ، فهو الأكبر من ناحية القيمة المطلوبة 32 مليون جنيه ( 70 مليار جنيه حاليًا ) وصل منهم مصر بعد السمسرة والذي منه... حوالي 11 مليون بس.. لأنه خرج من بنك " أوبنهايم " الألماني مخصوم الفوائد قبل ما يتصرف اصلا .. زائد انه خدمة الدين الفوائد علي 11دول هتكون 9 % !!! وفي نفس الوقت كان القرض الأكبر من ناحية الشروط ومنها :
- بيع ميناء الأسكندرية لصالح شركة ( جرين فيلد الإنجليزية )
- بيع شركة النقل العام الخديوية البـحرية
- بيع الأجزاء المتبقية في شركات الملح ، والسكة الحديد
- كل ضرائب مصر بعد تسديد الديون القديمة .. تمول أقساط القرض ده وميدخلش منها خزينة الدولة أي شئ ( معنى كده مفيش أي مصانع أو أنتاج هيشتغل )
- يمتلك الدائنين كل أراضي الملاك المصريين والإقطاعين وغيرهم بما فيهم الفلاحين ( حددوها بـ مليون فدان مبدئيًا )
وبما إن فوائد الديون كانت عالية ومقدرتش حكومة " إسـماعيل" مع كل عمليات البيع دي إنها تغطيه... أضطرت الدولة انها تبيع حصتها في قناة السويس اللي بلغت 176.602 ألف سهم للإنجليز مقابل ( 4 مليون جنيه ) مع إن سعرها العادل كان ( 32 مليون جنيه ) ،... لكن التاجر الشاطر يشتري وقت الخسارة ، والبلد كانت مديونة وعاوز تسدد أي فلوس، فأستغلت ضعف عقلية " إسـماعيل " وتهوره في الإدارة المالية ، وضحكت عليه بشوية ملاليم... ،لكنه لاحقًا وبجراءة وتقدر تسيمها بـجاحة بيسافر "إنـجلترا" علشان يتفاوض معاهم على تمويل لقرض جديد
بعت الانجليز المستر "
" علشان يشوف كده وضع مصر يسمح أساسًا بتمويل مالي جديد ولا لأ ؟! وخلصت الإدارة أو تقرير " كيف " 1875 إلى ما يلي :
- وضع مصر المالي أسوء بكثير مما يمكن تخيله أو تصوره وعلى الدائنين أنهم يحذروا لأن مصر هتصبح قريبًا غير قادرة على تسديد ديونها
- جدولة الديون أظهرت أن مصر عليها 75 مليون جنيه ( 100 تريليون جنيه )
- إنشاء القصور ومظاهر الترف التي أعتمدها إسـماعيل باشا لعائلته كارثية ويجب إيقافها ( أكتشفوا مثلا إن واحدة من العائلة العلوية صممت فستان في فرنسا كلف 150 ألف جنيه يعني 300 مليون جنيه مصري حاليًا )
-إيقاف بناء المشاريع المُكلفة لميزانية الدولة ( مثلا إسـماعيل قال إنه طور ميناء الإسكندرية بقيمة 2.5 مليون ، في حين التكلفة الفعلية كانت 1.412 مليون بس ... يعني فيه مليون ومائة ألف دخلت في جيوب الباشا ورجالاته )
- تحويل سندات الديون لبنك روتشيلد الانجليزي
- أقترح مستر " كيف " إنشاء لجنة مراقبة "الدائنين" وأن إنـجلترا تُشرف على رقابة الدو لة المصرية ماليًا وتراقب أنشطة إنفاقها .
لكن في 6 أبريل 1876 بتُعلن "مصر" إنها هتأجل رسميًا سداد الأقساط المستحقة للديون ، ثم بينزل الخبر في بورصة
في 8 أبريل سنة 1876 " بإعلان
" وهنا بتتحول الدولة للإشراف الخارجي من فرنسا وإنـجلترا ...وتبدأ سلسلة السقوط للهاوية ..واللي بتنتهي في 1882 يعني بعد 6 سنين بس بالإحتـ لال
تفتكروا... هل القروض بتحل أزمة؟!
الصورة ( كاريكاتير في الصحافة الإنجليزية عن تكبيل الخديوي بالديون من قبل الإنجليز والفرنسيين ) كتاب Managing Egypt's Poor and the Politics of Benevolence, 1800-195
دخل مصر الكامل سنة 1876 قبل أيام من إعلان الإفلاس