مصر والسعودية: بريطانيا أوصت بمواصلة المملكة ودول الخليج دعم نظام السادات اقتصاديا خدمة لمصالحهم الاستراتيجية ــ وثائق بريطانية
- عــامـــر سـلطـــان
- بي بي سي نيوز
13 يوليو/ تموز 2023
صدر الصورة، GETTY IMAGES
التعليق على الصورة،
الأمريكيون أبلغوا البريطانيين بأن السادات كان يعاني ضغوطا قوية تحت وطأة المشكلات التي يواجهها عام 1977.
في مثل هذه الأيام قبل 48 عاما ساور بريطانيا قلق بالغ على مصير نظام حكم
في مصر، التي كانت تعاني أسوأ أزمة اقتصادية.
ورغم العلاقات القوية بين السادات والبريطانيين والرهان الغربي عليه في فتح الطريق لتسوية تفضي لقبول
في المنطقة، حملت بريطانيا دول الخليج، خاصة
، مسؤولية إنقاذ مصر، حسبما تكشف وثائق بريطانية.
كانت مصر في تلك الفترة تعاني مشكلات اقتصادية بالغة الصعوبة بعد
. كما عانت مما اعتبره البريطانيون "مشكلة أمنية" بسبب "نقص الأسلحة" التي تريدها
بعد الحرب.
وتكشف الوثائق، التي اطلعت عليها بمقتضى قانون حرية المعلومات، أن جيمس كالاهان، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، طلب إجراء مراجعة شاملة للوضع في مصر عام 1975.
هدفت المراجعة إلى الإجابة عن السؤال التالي: في ضوء
والاجتماعية والأمنية، ماذا يمكن لبريطانيا أن تفعل
؟
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
ماذا كان وضع مصر الاقتصادي؟
في تقييمه، للحال في مصر، رسم سير ريتشار بيمونت، سفير بريطانيا في القاهرة، صورة كئيبة.
فلم يكد يمر عام بعد
، حتى أعلن السادات سياسة سُميت "الباب المفتوح" على الغرب. حينها وعد المصريين بأن هذه السياسة ستؤدي إلى
ومن ثم ستتغير حياة المصريين إلى الأفضل مما كانت عليه أيام نظام حكم
البودكاست
البودكاست نهاية
إلا أن كل التقارير البريطانية أكدت أنه بحلول عام 1975، دخلت أزمة خانقة
ورسمت التقارير ملامح هذه الأزمة على النحو التالي:
ظهور فئة قليلة بالغة الثراء بينما تعاني الغالبية الساحقة من المصريين فقرا مدقعا،
، تدني الخدمات العامة بعد فشل الحكومة في الوفاء بوعود تحسينها.
وفي تقرير إلى لندن، أبلغ سير بيمونت حكومته بأن كل هذا يعني أن مصر في حاجة ماسة إلى دعم اقتصادي كبير "كي يمكن لنظام السادات تخفيف آثار المشكلات الاقتصادية الصعبة والاستياء الشعبي الذي لم يصل بعد إلى حد الخطر الداهم على بقاء النظام".
لم يستند السفير، في تقريره المفصل، على المتابعة اليومية لما يحدث في مصر فقط، بل تحدث مع سياسيين مصريين نافذين. وقال إن حدة الأزمة الاقتصادية جعلتهم يخلصون إلى أن موقف بلادهم من الصراع العربي الإسرائيلي "ضيعها".
وقال" لقد صُدمت كثيرا بالصراحة والحدة اللتين يتحدث بهما وزراء ومسؤولون عن فكرة 'عشرين عاما ضائعة'"، في إشارة إلى الحروب التي خاضتها مصر.
صدر الصورة، SOCIAL MEDIA
التعليق على الصورة،
لم ير البريطانيون سبيلا لمساعدة
سوى تدخل دول الخليج بقيادة السعودية. ونصح السفير بأن تلك الدول أقدر وأحق بإنقاذ مصر من براثن أزمتها.
لكن تقارير البريطانيين، التي تستند على معلومات من مصادر مختلفة، أثارت حينها القلق، لأن السعوديين "لم يعودوا متحمسين لإسناد مصر" بعد أقل من عامين تقريبا من حرب 1973.
وأبلغ سير بيمونت حكومته بأن "حماس" السعوديين للاستثمار في مصر "يفتر"، وأن هذا لن يتغير "حتى ترتب الحكومة المصرية بيتها المالي والاقتصادي".
ومضى السفير يقول "بل إنني حتى سمعت أن السعوديين يقولون إن السودان دولة واعدة بقدر أكبر للاستثمار فيها".
وأكد "سأم السعوديين" من مشكلات مصر المزمنة المتعلقة بالميزانية وميزان المدفوعات، وأرجعه إلى "شعورهم بأنه لا جديد بشأن مستويات الأزمة الحالية"، في إشارة إلى أن النظام في مصر لا يتخذ التدابير الصحيحة اللازمة لمواجهة الأزمة.
وأضاف السفير سببا آخر لموقف السعودية وهو "الشك في أن نظام السادات ربما يبالغ في تضخيم أزمة مصر الاقتصادية لاستدرار المزيد من الدعم"، مشيرا إلى "عدم الثقة على الإطلاق" في الإحصاءات المصرية.
وعرض السفير، في تقريره، أن "يُفهِم البريطانيون السعوديين، وغيرهم (من دول الخليج النفطية)، أن مصر تتمتع بإمكانات هائلة للغاية للتنمية الاقتصادية لو استغلت مواردها البشرية التي أهملت في الماضي بسبب نقص التمويل".
وعبر عن اعتقاده بأن السعوديين والخليجيين عموما "قصار النظر للغاية إن طبقوا فقط المعايير الاقتصادية الضيقة على استثماراتهم في مصر. فبدون المعونة السخية، لن يكون المصريون قادرين على ترتيب بيتهم المالي والاقتصادي، كما أن المصلحة المحققة للسعوديين والدول الخليجية من وراء بقاء ونجاح الرئيس السادات هي تقريبا بنفس ضخامة مصلحة السادات نفسه".
وأضاف "ينبغي علينا انتهاز أي فرصة تتيح لنا تشجيع السعوديين وغيرهم على ألا يتراخوا في دعمهم، خاصة إذا كان لا بد من عملية إنقاذ دولي ما".
واقترح السفير المنحى الذي تسلكه على حكومته عند إثارة المسألة المصرية مع الخليجيين، وهو ضرورة نُصحهم بأنه لو كان الاستثمار في السودان، مثلا، سوف يحقق مكاسب مالية، فإن توجيه هذا الاستثمار إلى مصر سيكون عائده أكبر استراتيجيا.
وقال إنه "لأول مرة في التاريخ، تتوفر الموارد (الخليجية)، التي تحتاج إليها تنمية مصر الاقتصادية حاجة ماسة للغاية، ويوجد التقاء للمصلحة السياسية والاقتصادية تدعو بقوة لتوظيفها هنا"، في مصر.
ماذا يمكن أن تفعل بريطانيا وما هي مصلحتها؟
أبدى السفير تشاؤما بشأن خروج مصر من أزمتها بسبب سوء الإدارة.
وقال: "لا أرى أي مجال أمامنا لعمل أي شيء فعال للمساعدة في علاج نقص الإدارة الاقتصادية الماهرة الذي تعاني منه مصر معاناة هائلة".
غير أنه عرض
. وقال إنه "ربما تحفز بريطانيا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على بذل مزيد من الجهود، على أن هذا يجب أن يُفعل سرا وبحرص".
في كل المراجعات السنوية التي أجراها البريطانيون للأوضاع في مصر، تحتل
أولوية. وفي كل عام، تشيد التقارير البريطانية بنصيب بريطانيا من
.
صدر الصورة، SOCIAL MEDIA
التعليق على الصورة،
خلال "مظاهرات الخبز" في مصر عام 1977، استدعى السادات الجيش للسيطرة على الأوضاع
وكان هذا الملف أحد مشاغل البريطانيين الرئيسية في التعامل مع مصر في ظل أزمة نظام السادات. لذا نصح السفير بأنه "ينبغي علينا أن نواصل استعدادنا لتوريد الأسلحة إلى مصر".
غير أن هذا يظل مشروطا، وفق النهج البريطاني بالسداد. فقال سير بيمونت "لا بد أن يكون (توريد السلاح) مرهونا بالدفع، وإن كان المراد أن يكون السادات قادرا على تأمين كميات من المعدات ذات التكلفة الهائلة التي يحتاجها للحفاظ على استقلاله عن الروس، فربما علينا مرة أخرى العمل بجد لتحفيز سخاء هؤلاء الذين يجب أن يسددوا الفواتير".
وأشار إلى مصلحة أوروبا وبريطانيا، قائلا إنه " بالنسبة للأسلحة، نريد جميعا أن نساعد السادات بطرق مربحة لنا".
استمرت أزمة مصر الاقتصادية حتى تفجر الوضع بعد قرار الحكومة رفع أسعار بعض السلع الأساسية في يوم 17 يناير/تشرين الثاني عام 1977. حينها، أعلن الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية أمام مجلس الشعب أن الخطوة ضرورية في إطار سياسة تقشفية لازمة للحصول على قرض من
.
ودفعت الإجراءات الاقتصادية المصريين إلى الخروج إلى شوارع القاهرة ومدن أخرى في اليومين التاليين فيما عرف في تاريخ مصر الحديث باسم "انتفاضة الخبز" ووصمها أنصار النظام بأنها "انتفاضة حرامية". واستدعي الجيش للسيطرة على الوضع. ثم تراجع السادات عن قرارات رفع الأسعار.
لم يكن الانزعاج من مأزق نظام السادات بريطانياً فقط.
ويكشف تقرير أعده بي جي توري، رئيس إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا عن قلق أمريكي مما يحدث في مصر.