البحث الإيجابي .. المنفي في القاهرة لحلحلة الوضع الليبي
أرسل بريدا إلكترونياديسمبر 27, 2022
5 دقائق
مشاركة عبر البريد
تستمر المحاولات الحثيثة من جانب الأطراف الداخلية الليبية – وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية – لإيجاد مخرج سياسي لحالة التأزم التي تعيشها ليبيا منذ سنوات، والتي ألقت بظلال قاتمة على الأوضاع المعيشية والأمنية في معظم المناطق الليبية. من هذه الزاوية تأتي زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، إلى القاهرة اليوم، وهي زيارة تأتي في سياق استمرار التواصل بين المجلس الرئاسي وكل من القاهرة وجامعة الدول العربية، ومن زاوية حرص القاهرة الدائم على التواصل مع كافة المؤسسات الليبية.
زيارة المنفي اليوم تضمنت عقد جلسة جمعته والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والمندوبين الدائمين بالجامعة، تحدث خلالها المنفي عن مبادرة المجلس الرئاسي بشأن الحل في ليبيا، والتي دعت إلى عقد لقاء تشاوري يجمع بين المجلس الرئاسي وكل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بالتنسيق مع المبعوث الأممي لليبيا، بهدفين أساسيين أولهما التوصل إلى توافق حول النقاط الخلافية المتبقية بشأن القاعدة الدستورية التي يمكن على أساسها عقد الانتخابات العامة، وثانيها التهيئة لحوار دستوري موسع لإنهاء المرحلة الانتقالية، تتم من خلاله مناقشة الاقتراحات والأفكار التي تلقاها المجلس الرئاسي من قوى سياسية ومدنية مختلفة خلال الفترة الماضية.
خلال كلمته في هذه الجلسة، أعتبر المنفي أن إنجاز الاستحقاق الانتخابي هو الهدف الأسمى من خارطة الطريق، وأن مبادرة المجلس الرئاسي تستهدف إنهاء الخلافات الحالية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بشأن البنود المتبقية من القاعدة الدستورية الخاصة بالانتخابات. كما شدد المنفي على ضرورة الدفع بعمل اللجنة العسكرية 5+5، وما توصلت إليه من تنفيذ لاتفاق وقف إطلاق النار وتنسيق الجهود والترتيبات لانسحاب المقاتلين والمرتزقة الأجانب، وأضاف أن تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا ودعوة جميع الأطراف السياسية والمكونات الاجتماعية إلى الانخراط في مشروع المصالحة الوطنية، تعتبر على رأس أولويات المجلس الرئاسي الليبي.
مؤشرات إيجابية رغم قتامة الأوضاع
الحديث عن جهود المجلس الرئاسي الليبي فيما يتعلق بملف المصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، يرتبط بشكل أو بآخر ببعض المؤشرات “الإيجابية” التي شهدتها ليبيا الشهر الجاري، والتي – للمفارقة – صاحبتها مؤشرات أخرى سلبية. من هذه المؤشرات الإيجابية، تبادل الأفراد المعتقلين خلال المواجهات العسكرية السابقة بين المنطقتين الشرقية والغربية، والذي تم في منطقة “الشويرف”، بين الجيش الوطني الليبي وأعيان وشيوخ مدينة الزاوية، وبموجبه تم تسليم اللواء طيار عامر الجقم إلى الجيش الوطني الليبي، مقابل إطلاق الأخير سراح خمسة عشر من منتسبي القوات التي كانت تقاتل ضمن تشكيلات حكومة “الوفاق” السابقة. أهمية هذه العملية لا تكمن فقط في أنها خطوة أخرى في مسارات “المصالحة الوطنية”، بل لأنها تمت في هذا التوقيت الذي تشهد فيه مدن ليبية عدة مثل الزاوية وصبراتة، حالة من الانفلات الأمني والاستنفار المستمر.
على الجانب السياسي، قلت حدة التوترات التي سادت الميدان الليبي الفترات الأخيرة، بعد ان أصدر رئيسا مجلسي النواب والدولة، المستشار عقيلة صالح وخالد المشري، بيانًا مشتركًا بشأن قانون استحداث المحكمة الدستورية، وهو القانون الذي تسبب إصدار مجلس النواب له أوائل الشهر الجاري، في ردود فعل عالية السقف من جانب المجلس الأعلى للدولة، الذي قرر تعليق أي تواصل بينه وبين مجلس النواب، إلى أن يتم التراجع عن هذه الخطوة. البيان المشترك بين الجانبين، أكد الاتفاق بينهما على عدم إصدار مجلس النواب لهذا القانون رغم تصويت أعضاؤه عليه، وهذا لمراعاة كونه مرفوضًا من قبل مجلس الدولة، وبهدف ضمان عدم التعارض مع مخرجات القاعدة الدستورية، وطمأنه كافة الأطراف السياسية بشأن الجدل حول هذا القانون.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لا تعني عملياً أن هذا القانون قد تم إلغاؤه – لأن هذا يحتاج عمليًا لتصويت مجلس النواب على ذلك – إلا أن هذه الخطوة ساهمت بشكل كبير في نزع فتيل حالة التوتر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وفتحت المجال واسعًا لتطبيق مبادرة المجلس الرئاسي، وتزايد مؤشرات عقد لقاء قريب بين قيادتي كل من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب – ربما تحتضنه القاهرة قريبًا أواخر الشهر الجاري أو منتصف الشهر المقبل – وفيه يتم التوافق بشكل نهائي بين جناحي لجنة المسار الدستوري، على ما تبقى من نقاط خلافية حول القاعدة الدستورية للانتخابات، خاصة البنود المتعلقة بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، أو يتم التوافق على ترحيل المسائل الخلافية إلى القوانين الانتخابية، ومنها مسألة ازدواج الجنسية، بحيث يؤجل البت فيها إلى أن يتم التوافق بشكل كامل على قانون الانتخابات.
زيارة المنفي للقاهرة، تأتي أيضًا في سياق الدور المصري الإيجابي لإيجاد مقاربات سلمية للأزمة الليبية، حيث احتضنت مصر خلال الشهر الماضي، لقاءات عدة تمت لبحث مآلات الوضع الحالي، منها لقاء جمع بين رئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ولقاء بين وزير الخارجية المصري سامح شكري والمبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي. حينها تمت محاولة لعقد لقاء في القاهرة، بين المستشار صالح وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، للتوافق على شروط الترشح للرئاسة، وهي النقطة الخلافية الرئيسة بين الجانبين فيما يتعلق بالقاعدة الدستورية للانتخابات، لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح، وربما تمهد زيارة المنفي اليوم للقاهرة الأجواء لعقد هذا اللقاء لاحقاً.
تتزامن هذه الأجواء مع حلول الذكرى الـ 71 لاستقلال ليبيا، والتي هنأ المجلس الرئاسي بحلولها أطراف إقليمية عدة، منها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أرسل له برقية تهنئة، أشاد فيها بعمق العلاقة الأخوية والتاريخية التي تربط الشعبين الشقيقين، مؤكدًا دعم مصر حكومةً وشعبًا لليبيا حتى ينعم الشعب الليبي بالتقدم والازدهار، كما أعرب الرئيس عن تطلعه إلى العمل معًا من أجل تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، وترسيخها في جميع المجالات بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين. برقيات وبيانات مماثلة صدرت عن الخارجية البريطانية والسفارة الأمريكية في طرابلس، لكن كان لافتاً في هذه البيانات، أنها شددت على ضرورة التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لإصدار قاعدة دستورية يمكن من خلالها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة للجميع، بأسرع وقت ممكن، وهو نفس المعنى الذي تضمنه البيان الأخير لمجلس الأمن حول ليبيا.
البيان السالف ذكره، حمل إشارات لاحتمال اتخاذ “مسارات بديلة”، في حالة عدم تمكن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة من التوافق حول القاعدة الدستورية للانتخابات، وحقيقة الأمر أن هذه المسارات رغم إمكانية اتخاذها، إلا أنها لن تساهم في حال تطبيقها في تحقيق التوافق الوطني المطلوب، ومن هذه الخيارات تشكيل ملتقى جديد للحوار الوطني، بصلاحيات أوسع تشمل وضع قاعدة دستورية وقانون للانتخابات مع تجاهل الدور التشريعي لمجلسي النواب والدولة، أو الاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من لجنة الستين، على أن يتم تشكيل حكومة موحدة، تشرف لاحقًا على عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، وإكمال توحيد المؤسسة العسكرية. من المسارات البديلة المطروحة أيضًا، مسار تصادمي يتمثل في حل المجلس الرئاسي لكل من مجلسي النواب والدولة، بحيث يتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل يتيح له وضع قاعدة دستورية للانتخابات، وإصدار قانون الانتخابات، والإشراف على العملية الانتخابية برمتها.
مجمل القول، من المؤكد أن الملف الليبي بات في مرحلة حرجة للغاية، يتم في جانب منها التلويح بـ “التقسيم”، خاصة في ظل تزايد الأصوات الداعية لإنشاء كيانات فيدرالية في إقليمي برقة وفزان، وكذا دعوة المجلس الأعلى لأمازيغي ليبيا، إلى تشكيل هيئة دستورية لاستحداث ما يسمى “الإقليم الإداري الرابع”، وهي دعوات يمكن وضعها ضمن تداعيات عدم التوافق الحالي بين مجلس النواب والدولة، التي تشمل أيضًا الوضع الأمني المقلق في عدة مدن ليبية، مثل صبراتة والزاوية. الجيش الوطني الليبي من جانبه، وعلى لسان قائده المشير خليفة حفتر، دعا إلى انتهاز “الفرصة الأخيرة” لإجراء الانتخابات، وهي دعوة تتوافق من حيث المضمون مع الدعوات الإقليمية والدولية، ومن الممكن تحقيقها في المدى المنظور، إذا ما أكمل مجلس النواب والدولة مسار الحوار بينهما إلى النهاية دون عوائق او خطوات مفاجئة.