الدولة تسعى لجذب الشركات الأجنبية لإنتاج براند مصرى
10:02 ص | الأحد 20 يناير 2019
كتب: رباب إمام وإسراء مجدى
فى عالم أصبح بمثابة سوق واحدة وقرية صغيرة متعددة المنتجين والمستهلكين، ليس من الضرورى أن يكون لديك علامات محلية تبهر العالم، ولكن الأهم حجم الاستثمارات التى تنجح فى جذبها وما يتولد عنها من فرص عمل وإنتاج.
بديلان مطروحان على خريطة النظريات الاقتصادية، أيهما أجدى «أن تُكوّن علامات تجارية محلية» أم «تستقطب العلامات العالمية للعمل لديك والنفاذ من خلالك لكل أسواق العالم»؟
الواقع يقول إنه يمكنك تحقيق الهدفين معاً ولكن يبقى التساؤل: من أين ستبدأ؟
وبالنظر للتجارب الدولية نجد أن تجربة الصين فى الصناعة مثال حى على البدء باستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أولاً ثم تدشين الصناعة المحلية، فى البداية قامت الصين بعملية تطوير الصناعة فى نهايات السبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضى.
حيث قام «دينج هسياو ينج» الأب الروحى للنهضة الحديثة فى الصين باستدعاء خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمى للنهوض بالواقع الاقتصادى، وكانت أولى خطواته التحول التدريجى إلى اقتصاد السوق، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية وخاصة فى مجال الصناعة.
الصين بدأت فى استقطاب «أبل» قبل أن تطلق «هواوى» و«أوبو».. واتخذت «تويوتا» محطة لإنتاج BYD و«جيلى»
وبدأت الصين بالفعل باستقطاب العلامات العالمية كأمثال «تويوتا» و«أبل» وقدمت لها العديد من الحوافز مثل توفير العمالة الكبيرة بشكل أسرع، وتوفير كل عناصر التصنيع فى نفس المكان.
وأصبح للعلامتين العالميتين الآن مئات المصانع فى الصين، حيث يتجاوز عدد المصانع التى تعمل لحساب «أبل» 364 مصنعاً فى الصين فقط.
ثم قامت الصين بتقليد المنتجات واستنساخ مواصفاتها بجودة أقل وأسعار زهيدة، ومن التقليد إلى مرحلة البحث والتطوير والحصول على براءات الاختراع، وصولاً إلى استحواذ كل من «هواوى» و«أوبو» و«إنفينيكس» الصينية على المراكز العشرة الأولى فى قائمة أكثر 30 جهاز هاتف ذكى مبيعاً خلال نوفمبر 2018 حول العالم، وفقاً لتقرير مؤسسة الأبحاث التسويقية «GFK»، واختراق شركات السيارات الصينية مثل «بى واى دى» و«جيلى» قائمة أكثر السيارات مبيعاً.
فاليوم استطاعت شركة كـ«هواوى» الصينية أن تتخطى العملاق «أبل» لتصبح ثانى أكبر الهواتف الذكية مبيعاً عالمياً، وذلك فى الربع الثانى من 2018، حيث تم بيع نحو 54 مليون هاتف، وبدأت الشركة برأسمال لا يزيد على 3.5 ألف دولار أمريكى فى 1987، وفى سنواتها الأولى كان نموذج أعمالها يتركز فقط على بيع مقاسم هواتف خاصة تعمل على ربط خطوط هواتف المشتركين التى كان يتم استيرادها من هونغ كونغ.
وبعدها اتخذت الحكومة الصينية فى عام 1996 سياسات صارمة لدعم وتشجيع الشركات التقنية المحلية، والتقليل من استخدام المنتجات الأجنبية المنافسة، وعلى مدار السنوات التى تلت تأسيسها كانت الشركة الصينية تبيع أجهزتها دون علامة تجارية خاصة بها، لتبيعها شركات الاتصالات بدورها لعملائها، بعدها تنبهت الشركة لضرورة تصنيع وتطوير أجهزة خاصة بها، وللعمل على ذلك قامت الشركة بتصنيع هواتفها بشكل ذاتى بالكامل.
«المهندس»: «التكنولوجيا» تنقصنا فى التحول من التجميع للتصنيع.. و«عبدالقدوس»: نستطيع الموازنة بين إطلاق منتج محلى وجذب الشركات العالمية
تثبت تجربة الصين أن التجهيز لانطلاق ماركات عالمية يحتاج لعمليات مكثفة من البحث والتطوير والتقنيات العديدة للتمكن من انطلاق هذه الماركات.
وتتمتع مصر بالعديد من المزايا لجذب الشركات الأجنبية المنتجة لأبرز العلامات التجارية العالمية، حيث توجد فى مصر أسعار رخيصة نسبياً لمدخلات الإنتاج وسوق تجارية كبيرة تستطيع استيعاب المزيد من الاستثمارات.
وتعد أشهر العلامات العالمية العاملة فى مصر شركة LG الكورية التى وجدت بقوة فى السوق المصرية منذ عام 1990، ووصل عدد مصانع الشركة فى مصر مصنعين بإجمالى استثمارات يتخطى 170 مليون دولار.
وأعلنت الشركة مؤخراً عن تخطيطها لإنتاج منتجات جديدة للتصدير للأسواق الخارجية، وتلبية احتياجات السوق المحلية بما يسهم فى تعميق الصناعة المحلية لإحلال المنتجات المصنعة بالسوق المصرية محل المستوردة.
كما تعتبر مجموعة مصانع العربى من أكبر الكيانات الصناعية فى مصر والشرق الأوسط التى أصبحت تمتلك مجمعين صناعيين فى مدينة بنها ومدينة قويسنا الصناعية، ولم تقتصر استثمارات المجموعة على هذين المجمعين بل يخططون بحلول عام 2020 لافتتاح مجمع العربى الصناعى ببنى سويف ومصانع العربى بمحافظة أسيوط.
ولمجموعة العربى تجربة ناجحة فى استقطاب العديد من الماركات العالمية لتصبح شريكاً تجارياً لنحو 11 عملاقاً صناعياً حول العالم، أبرزها: توشيبا، شارب، سيكو، ألبا، سونى وكاندى.
ومن جانبه، قال المهندس إبراهيم العربى، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة العربى، إن الشركة استفادت بالفعل من الخبرة الخاصة بالشركات الأجنبية، ويتم ذلك من خلال البحث والتطوير وهذا ما نتج عنه الماركة المصرية «تورنيدو» التى بدأنا فيها بأجهزة محددة ثم توسعنا ونعمل حالياً على تنمية هذه العلامة ورفع نسبة المكون المحلى بها بالتدريج.
وأوضح أن «تورنيدو» أصبحت ماركة عالمية ويعد من أهم الأهداف الاستراتيجية لمجموعة العربى فى الفترة الحالية تعميق التصنيع المحلى، بالإضافة إلى زيادة حجم الصادرات وفتح أسواق عالمية جديدة، وأشار «العربى» إلى أهمية توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية لكونها أسواقاً واعدة تجذب أفضل الماركات العالمية لها، منوهاً إلى عزم مجموعة العربى على تصدير منتجات «تورنيدو» إلى القارة الأوروبية ورفع شعار «صنع فى مصر» فى كل أنحاء العالم.
«العربى»: استفدنا من الخبرة الأجنبية وأنتجنا علامة مصرية باسم «تورنيدو» ونُصدرها لعشرات الدول.. و«العالم»: BMW ومرسيدس تعملان فى مصر منذ 20 عاماً ولم تجدا «المكون المحلى المناسب»
وأضاف أن مجموعة العربى تسعى إلى زيادة عدد الدول الأفريقية المستوردة لماركة تورنيدو لتصل إلى ٣٩ دولة بحلول عام ٢٠٢٠، وأننا نستهدف التركيز على التجمعات الاقتصادية الأفريقية الواعدة التى تتمتع بمميزات جمركية مع المنتجات المصرية مثل تجمع الكوميسا.
وتعتبر سامسونج أشهر الماركات العالمية العاملة فى مصر وهى شركة كورية الأصل، وتم تأسيس مصنع سامسونج فى مصر وبالتحديد فى بنى سويف 2012، ويعد أول مصنع تدشنه الشركة فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويبلغ إجمالى استثمارات المصنع 250 مليون دولار حتى عام 2017، ويذكر أن 80% من إجمالى الإنتاج يصدر إلى الشرق الأوسط، وبعض أجزاء أفريقيا، وبلغ حجم التصدير 550 مليون دولار عام 2016 لنحو 36 دولة لتمثل النسبة الأكبر من حجم صادرات القطاع التكنولوجى بمصر، ويذكر أن المصنع يختص فى صناعة الشاشات.
أما فى مصر وبالنسبة لنفس القطاع، فقد دعا الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الشركات إلى الاستثمار والشراكة فى صناعة الإلكترونيات من خلال خطط أعمال تستهدف من ٤٥-٥٠%.
وفى فبراير من العالم الماضى انطلق هاتف «سيكو» فى السوق المصرية كأول هاتف محمول محلى الصنع، ومنذ بدايته تم إطلاق 9 إصدارات له، بحسب موقع الشركة، إلا أنه لم يلق قبولاً واسعاً فى السوق المصرية، مما دفع الشركة إلى الترويج له خارجياً، ولم تصرح الشركة عن أى مبيعات إلا عن أول شهر لها فقط، بحجم مبيعات لم يتعد الـ50 ألف جنيه.
وفى هذا السياق، أكد محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، أهمية نقل التكنولوجيا العالية للمصانع المصرية حتى نستطيع أن ننتقل من مرحلة التجميع إلى التصنيع بجودة تقترب أو تضاهى الصناعة العالمية، وهذا ما ينقص مصنع سيكو SICO حيث إن المصنع بدائى وهدفه التجميع ولا يستطيع أن يوفر نسبة الـ45% من المكون المحلى.
وأضاف أنه فى حالة توافر المصانع والتكنولوجيا العالية فى الصناعة سيكون من السهل تدريب العمالة من خلال ورش عمل أو تدريب على يد خبراء أجانب.
وأوضح «المهندس» أن برنامج تعميق الصناعة المحلية الذى نعمل عليه فى الوقت الحالى بالنسبة للصناعات الهندسية يعد من أولوياته الاستفادة من الخبرات الأجنبية بشكل تدريجى وعلى مراحل، حتى نصل إلى استبدال الصناعات الأجنبية بالمصرية، وما نحتاجه فى ذلك هو الإرادة الجادة والأهداف طويلة المدى.
وفى سياق آخر، يرى شريف العالم، نائب المدير العام لشركة «رينو» المتخصصة فى صناعة السيارات، أن الأهم من أن تنتقل الشركات الأجنبية بآليتها إلى الدولة أن يكون لدينا استعداد للتعلم واكتساب الخبرة، موضحاً أن شركات كمرسيدس وBMW تعمل فى السوق المصرية على مدار عشرين عاماً ولكن لا يوجد أى مكون لها محلى الصنع.
كما طالب «العالم» الحكومة بوضع آلية لمتابعة مدى استفادة المستثمرين من الامتيازات التى تمنحها لهم للنهوض بالصناعة، مضيفاً أن الصين اتبعت تجربة مميزة فى هذا الصدد بوضع شروط على الشركات المقبلة للتصنيع فى الدولة تضمن من خلالها معرفة أساليب الإنتاج، ومن ثم تطويرها والاستفادة منها فى الإنتاج المحلى بعد ذلك.
ومن جانبه قال يحيى عبدالقدوس رئيس قطاع تسويق BMW بالمجموعة البافارية بمصر، إن الدولة تستطيع الموازنة بين صناعة ماركة محلية خاصة بها واستقطاب الماركات العالمية للعمل بها.
وأضاف «عبدالقدوس» أن الأمر يتعلق باستراتيجية الدولة التى تتبعها فى التصنيع أو الاكتفاء بالتجميع، مضيفاً أن العالم الآن أصبح أكثر انفتاحاً عن السنوات الماضية، مما جعل الدول تبحث عن جذب المزيد من العملة الصعبة إليها عن طريق الاستثمار الأجنبى المباشر المتدفق إليها.