مجلة أمريكية: الأزمة السودانية قد تزعزع استقرار مصر إذا لم يساعدها العالم في إعالة اللاجئين
20 - 05 - 2023
رايلي مودير - مجلة ناشونال انترست الأميركية
في 15 أبريل الماضي، اندلعت اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وفي منطقة دارفور في السودان، وبعد شهر تقريبًا من ذلك الموعد، قُتل ما يقدر بنحو خمسمائة شخص وأصيب الآلاف من المدنيين.
الحرب بين هاتين الجماعتين العسكريتين المتنافستين جاءت بعد شهور من الخلافات، فقد عمل الطرفان معًا للإطاحة برئيس الوزراء المدني في أكتوبر 2012، ولكن مع توقف المفاوضات بشأن تقاسم السلطة، أدى ذلك إلى زيادة التوترات التي تصاعدت إلى صراع مسلح الذي نشهده اليوم.
من المحتمل أن يمتد هذا القتال ويؤدي إلى مزيد من الفوضى في الخارج، ومن الضروري الاهتمام بشكل خاص بمصر التي تجاور السودان من الشمال.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من تسعين الف لاجئ سوداني قد عبروا إلى مصر خلال الشهر الماضي؛ ومن المحتمل أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، حيث ينتظر الآلاف على الحدود العبور بدون مأوى ومياه شرب آمنة وطعام يمكن الاعتماد عليه.
لكن مصر نفسها ليست الملاذ الآمن المثالي فهي تعاني حاليًا من أزمة اقتصادية ونقص حاد في الغذاء وانخفاض قيمة عملتها.
خلال العام الماضي، كانت القاهرة تقترض مبالغ كبيرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مما زاد من ثقل ديونها وإذا لم تستطع مصر تصحيح وضعها الاقتصادي المتدهور، فقد يؤدي عدم الاستقرار الناتج إلى اضطرابات مدنية واسعة النطاق واحتجاجات وأزمة إنسانية متفاقمة يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء منطقة شمال إفريقيا.
الأزمة في السودان
تتواصل الجهود الدولية لوقف الصراع في السودان على قدم وساق، حيث تستضيف السعودية محادثات بين الفصيلين المتنافسين بالشراكة مع الولايات المتحدة، ومن المقرر أن تستمر هذه المحادثات طوال شهر مايو.
في غضون ذلك، على الرغم من دعوة كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى وقف إطلاق النار، يستمر القتال، فقد اقترحت الجماعتان هدن عدة منذ بدء القتال في أبريل، لكن لم يتمسك أي منهما بها، ويحمل كل طرف الاخر مسؤولية عدم الالتزام، مما يشير إلى أن احتمالية أي نجاح على طاولة المفاوضات ستكون ضئيلة.
ولهذا يستمر الصراع في السودان في الاشتعال، مما أدى إلى نزوح أكثر من 900 ألف شخص داخليًا، إلى جانب عبور ما يقدر بنحو 120 ألفًا الحدود إلى البلدان المجاورة مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وإثيوبيا وتشاد ومصر، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل كبير في الأسابيع المقبلة، حيث يقدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن ما يصل إلى ثمانمائة ألف شخص يمكن أن يعبروا حدودًا مختلفة في الأشهر الستة المقبلة.
بالنظر إلى أن السودان كان بالفعل موطنًا لمجموعة متنوعة من اللاجئين، ويؤوي ما يصل إلى مليون نازح من النزاعات الإقليمية المختلفة الأخرى التي وقعت على مدى العقد الماضي، فمن السهل أن تنتشر الأزمة الحالية في جميع أنحاء المنطقة.
بينما يتدافع اللاجئون للخروج من الخرطوم والمناطق السودانية المجاورة، فإن الغالبية يفرون إلى مصر على وجه الخصوص، لأن السياسات تجاه اللاجئين في بلدان شمال إفريقيا الأخرى، كليبيا وتونس ليست جيدة.
وعلى الرغم من أن تشاد تقبل الآن أعدادًا صغيرة من اللاجئين، إلا أنها أغلقت حدودها في الأصل بسبب الضغوط الداخلية، ولم تترك سوى الحدود الجنوبية الغربية المصرية السودانية داخل أرجين وقسطل أشكيت كخيار وحيد قابل للاستخدام من قبل اللاجئين الفارين من العنف.
التداعيات على مصر
هذه الحقائق تمثل تحولًا كبيرًا، حيث كان السودان حتى اندلاع الصراع شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا لمصر، حيث تقترب عائدات التجارة من مليار دولار سنويًا، كما وضعت مصر خططًا إستراتيجية للاستثمار الزراعي في السودان، والتي تم تعليق العمل بها منذ اشتعال الصراع مما زاد من العراقيل الموضوعة امام أي خطط للانتعاش الاقتصادي في مصر.
تعد مصر شريكًا تجاريًا وسياسيًا رئيسيًا مع العديد من الدول في المنطقة باعتبارها بوابة شمال إفريقيا للدول الغربية، وبلغ إجمالي التجارة الثنائية للولايات المتحدة مع مصر 9.1 مليار دولار عام 2021، بينما تجاوزت تجارة الاتحاد الأوروبي مع القاهرة 37 مليار يورو في عام 2022.
بالإضافة إلى القيمة الاقتصادية لمصر بالنسبة للغرب، فإنها تلعب أيضًا دورًا استراتيجيًا في جامعة الدول العربية، حيث تساعد في توفير الدعم للسلام والاستقرار في الإقليم، وتشتهر مصر أيضًا بمواردها الطبيعية الهائلة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والفوسفات وخام الحديد، وقد ازداد الاهتمام بهذه الموارد منذ الحرب في أوكرانيا التي أدت الى تغيير المسارات التقليدية لإمدادات الطاقة، لكن مصر نفسها في وضع اقتصادي غير مستقر، حيث تواجه تضخمًا قياسيًا.
في مقابلة مع إحدى الصحف اليابانية،
أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن قلقه من أن يؤدي تدفق اللاجئين من السودان إلى زيادة العبء الاقتصادي على مصر، كما ان هناك مخاوف أمنية أيضًا، فمع تجمع الآلاف على الحدود الجنوبية الغربية بين البلدين، فإن فرص الإرهاب وتهريب البشر والمخدرات وأنشطة التهريب ستكون في أعلى مستوياتها على الإطلاق.
المنطقة الحدودية بين البلدين لها تاريخ من العنف، حيث تستخدم الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة المنطقة لتنفيذ أنشطة غير مشروعة، ونظرًا لأن الحدود كانت أيضًا مركزًا للاتجار بالبشر، فإن الزيادة الكبيرة في عدد اللاجئين تزيد من احتمالات عبور أعضاء الجماعات المتطرفة إلى مصر.
ردًا على هذا التهديد، أرسلت القاهرة قوات مكافحة الإرهاب إلى الحدود لحماية اللاجئين وتحسين الأمن.
لقد ادى القتال في السودان الى دفع هذا البلد نحو الانهيار، ومن المتوقع ان تسير مصر على نفس الطريق بسبب وضعها الاقتصادي الهش بالفعل.
يجب ان تؤخذ احتمالات زيادة عدم الاستقرار والنزاع في جميع انحاء المنطقة على محمل الجد ويجب على المجتمع الدولي مساعدة مصر في معالجة هؤلاء اللاجئين واعالتهم.
بسبب وجود عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الأجانب والموارد لكلا طرفي الصراع السوداني، من الصعب تحديد متى ستنتهي هذه الحرب وكم عدد الأشخاص الذين سيستمرون في النزوح نتيجة لذلك.
وإذا لم تسر محادثات السلام في السعودية بشكل جيد، فمن المحتمل أن يعكس هذا الصراع صراعات أخرى دمرت مناطق بأكملها، مثل لبنان وسوريا.
إن مساعدة مصر في التخفيف من أزمة اللاجئين هي إحدى الخطوات التي يمكن للغرب اتخاذها لمنع حدوث ذلك.
لقد تعهدت الأمم المتحدة بتقديم 445 مليون دولار لتخفيف الأزمة، وسيتم إرسالها إلى البلدان التي تستقبل اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة.
ينبغي على الولايات المتحدة، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، تقديم مساعدة مباشرة لمصر لضمان حصول المصريين واللاجئين الذين يعبرون الحدود على مصادر غذائية آمنة، كما يجب تقديم مساعدات خارجية إضافية للمساعدة في استقرار الاقتصاد المصري، وتحمل أمن المصالح التجارية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر قناة السويس ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات حزم البنية التحتية والجهود المبذولة للمساعدة في استقرار الجنيه المصري.
مع استمرار الصراع، من الضروري أن يتخذ الغرب إجراءً.
يستمر الاقتصاد المصري في التراجع، والضغوط الخارجية - بما في ذلك الصراع في السودان على وجه الخصوص - يمكن أن يكون لها آثار مزعزعة للاستقرار على بقية المنطقة، مع عواقب قد تؤثر في النهاية على كل من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل مباشر.
كما ينبغي على الولايات المتحدة تشجيع المصالحة وإيجاد حل اكثر ديمومة ونجاحًا بين اطراف الصراع في السودان وبخلاف ذلك، سيتعين على جميع المعنيين مواجهة عواقب الفشل المتمثل في أزمة لاجئين متزايدة، وضغوط إضافية على الاقتصاد المصري قد تدفعه إلى حافة الهاوية، وزعزعة الاستقرار الإقليمي.
--------------------------------------
رايلي مودير - مجلة ناشونال انترست الأميركية