وهو يعني في قاموس السياسة في إسرائيل التوتر بين فئات يهودية هاجرت إلى إسرائيل من بلاد وثقافات متعددة، والذي ارتبط بالعلاقة بين اليهود الأشكنازيين واليهود الشرقيين. ومن الطبيعي أن تخفت حدة التوتر الطائفي كلما ابتعد عامل الهجرة الخارجية عن تشكيل مصدر أساسي للازدياد السكاني، إذ يتوقف سيل هجرة الفئات ذات الخلفيات اللغوية والثقافية والاجتماعية المتنوعة. وقد بيّنا هذا في القسم الأول من هذه الدراسة. ففترة العيش الطويلة نسبياً للمهجرين القدامى من اليهود مع المهاجرين الأحدث، بعد أن توقفت تقريباً موجات هجرة اليهود بكثافة إلى إسرائيل، تخفف بطبيعة الحال من التعامل المبني على الاحتقار والرفض اللذين جوبهت بهما كل موجة مهاجرين جديدة. هكذا كانت حال اليهود الشرقيين مع الأشكنازيين الأقدم، ثم اليهود من دول المعسكر الشرقي المنحل وصولاً إلى اليهود الإثيوبيين الذين ما زالوا يشكلون أكثر الفئات السكانية ضعفاً. وقد كُتب الكثير عن أنماط التعامل الرسمي والشعبي الأهلي مع كل واحدة من فئات المهاجرين اليهود وما تعرّضت له من صعوبات.
ولو تابعنا السيرورات الاجتماعية الطويلة جداً التي مرّت بها المركّبات السكانية الأصلية للتوتر الطائفي، أي اليهود الشرقيين واليهود الأشكناز، لفهمنا كيف تخفت حدة أي توتر، لكنه لا يغيب، ذلك بأن فئات أُخرى من المهاجرين تحل محل الفئات الأقدم. فمثلاً، مع مرور السنين منذ إقامة إسرائيل، طرأ تغيير كبير على التركيبة الديموغرافية للمجتمع، كما أوضحنا أعلاه، كان له آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة، منها ما يتعلق بتضاؤل في الفوارق بين اليهود الأشكناز والشرقيين في مجالات الحياة كافة، مع أنها ما زالت موجودة، لكن بقدر أقل من الماضي. وفي المقابل يُبيّن بعض الأبحاث أن التمييز ضد اليهود الشرقيين ما زال موجوداً، سواءً في فرص العمل أو في الأجور حتى عند الحديث عن أشخاص يملكون المؤهلات نفسها المهنية والأكاديمية.
هذا فضلاً عن النظرة الدونية التي يمكن ملاحظتها في التعامل مع الثقافة الشرقية وموسيقى اليهود الشرقيين في إسرائيل، والكثير من الآراء المُسبقة التي تصل إلى حد العنصرية.
فإذا أخذنا مستوى دخل الأفراد والعائلات لفحص الفجوات بين اليهود الأشكناز والشرقيين وغيرهم سنرى أن الفجوات ما زالت قائمة حتى اليوم، على الرغم من أنها آخذة في التقلص، إذ يتضح من الإحصاءات الرسمية أنه في سنة 2016، كانت قمة سلم الدخل الشهري للفرد من نصيب الرجال اليهود الأشكناز من الجيل الأول، الذين هاجروا إلى إسرائيل حتى سنة 1989، قد وصل إلى معدل يبلغ 17,640 شيكلاً جديداً، يليهم بالتدريج الرجال الأشكناز من الجيل الثاني الذين يقدر دخلهم بـ 15,099 شيكلاً. هذا مع العلم بأن المعدل العام للدخل للأجراء في إسرائيل في سنة 2016 هو 9724 شيكلاً. ويأتي بعد الرجال الأشكناز الرجال من اليهود الشرقيين من الجيل الثاني ويبلغ دخلهم 14,406 شيكلات، ثم يأتي الرجال الشرقيون من الجيل الأول الذين هاجروا حتى سنة 1989، ودخلهم هو 12,761 شيكلاً. بعدهم يأتي الرجال الأشكناز الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد سنة 1990 (وهم في أغلبيتهم من اليهود المهاجرين من الجمهوريات السوفياتية). وبالتالي يظهر التمييز الجندري في الدخل، إذ تأتي النساء الأشكنازيات من مهاجري الجيل الأول، ومعدل دخلهن هو 11,037 شيكلاً. ومن حساب معدل دخل النساء الأشكنازيات بصورة عامة في سنة 2016 يتضح أنه وصل إلى 9017 شيكلاً (أي 93% من المعدل العام في إسرائيل في سنة 2016)، في مقابل 8640 شيكلاً دخل النساء اليهوديات الشرقيات (أي بنسبة 89% من المعدل العام).
وكما هو متوقع، كان دخل الأُجراء الفلسطينيين منخفضاً جداً بالمقارنة، إذ وصل دخل النساء العربيات إلى 55% من المعدل العام ودخل الرجال الفلسطينيين إلى 74% منه. واحتل اليهود من أصل إثيوبي الدرجة الدنيا على سلم تدرج الدخل، فقد كان معدل دخل الرجل الإثيوبي في سنة 2016 نحو 7233 شيكلاً شهرياً، أي ما يعادل 74% من معدل الدخل في تلك السنة. بعد ذلك تأتي النساء اليهوديات من أصل إثيوبي ليزاحمن النساء الفلسطينيات على قعر سلم التدرج، إذ وصل معدل دخلهن إلى 5376 شيكلاً و5004 شيكلات على التوالي.
لكن الأبحاث جميعاً تتفق على أنه طرأ تغيير ملحوظ على مشاركة اليهود الشرقيين في النخبة السياسية والنخبة العسكرية في إسرائيل، إضافة إلى الزيادة المطردة في أعداد الكتّاب المحاضرين والفنانين اليهود من أصل شرقي، الأمر الذي أدى إلى فرض أنفسهم على جميع الحلبات السياسية والاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يدفع هذا، بدوره، في اتجاه مزيد من الاحتجاج على الفجوات الباقية بينهم وبين اليهود الأشكنازيين، ولا سيما في بلدات التطوير التي يشكّل اليهود الشرقيون 80% من سكانها، وهي مدن وبلدات تندرج ضمن العناقيد المتوسطة والدنيا في سلم التصنيف، بحسب الحالة الاقتصادية – الاجتماعية. وللإشارة إلى هذه الفجوات يمكن العودة إلى الفوارق في الدخل كمقياس أساسي ذي أثر بالغ في جوانب الحياة كافة. ويتضح من الإحصاءات الرسمية لمؤسسة التأمين الوطني في إسرائيل ولدائرة الإحصاءات المركزية أنه في سنة 2015 تقاضى 70% من الأُجراء الإسرائيليين أجراً يصل إلى المعدل العام لدخل الأُجراء الشهري من العمل (المعدل في سنة 2015 هو 10,418 شيكلاً) أو يقل عنه، أي أن 30% يحصلون على دخل يزيد على المعدل. وفي التجمعات السكانية (مدن وبلدات وقرى إلخ) تعادل نسبة الحاصلين على أجر أعلى من المعدل 44% من الأُجراء، أمّا في بلدات التطوير فهي 23%، وفي التجمعات السكانية الفلسطينية العربية 16% فقط. أمّا بالنسبة إلى الحد الأدنى للأجور كدليل على الفجوات فنرى أن 41% من الأُجراء في البلدات العربية حصلوا على دخل يساوي الحد الأدنى للأجور، في حين وصلت هذه النسبة إلى 34% في بلدات التطوير، حيث نجد اليهود الشرقيين، و24% في التجمعات السكانية الميسورة.
ومن المتوقع أن يأخذ الاحتجاج اليهودي الشرقي في المستقبل شكل إلزام المجتمع الإسرائيلي بالتعامل مع اليهود الشرقيين على أساس الحق في المساواة التامة مع اليهود الأشكنازيين، لا على أساس اعتبارهم ضحايا تمييز سابق يستحقون تفضيلاً مصححاً في هذا المجال أو ذاك.
ويُتوقع أن يساهم هذا التطور في أوساط اليهود الشرقيين في زيادة تأثيرهم وشعورهم بقدرتهم على التأثير، وإلى تحسن أوضاع حياتهم، وإلى تغيير ملحوظ في مشاركتهم في الحياة السياسية.
في الوقت نفسه، كان هناك تغيير في مركّبات التوتر الطائفي في إسرائيل، فمنذ موجة الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي، ثم هجرة اليهود من إثيوبيا بعد ذلك بسنوات، شكلت هاتان الفئتان، ولو بتفاوت في حدة الإقصاء، توتراً طائفياً بصيغته المتغيرة والمتجددة، بينما يشكل المهاجرون القدامى، على اختلاف انتماءاتهم، توتراً من نوع آخر. ويقاس هذا التوتر بحسب تعامل المجتمع الإسرائيلي القديم مع المهاجرين وإقصائهم من ناحية، وبحسب عزل المهاجرين لأنفسهم وعدم سعيهم للاندماج الكامل من ناحية أُخرى. ولعل مجموعة المهاجرين اليهود التي تعاني أكثر من غيرها اليوم جرّاء التوتر الطائفي هي اليهود الإثيوبيون الذين واجهوا منذ وصولهم صعوبات كبيرة، ولاقوا تعاملاً مذلاً من المجتمع والدولة في إسرائيل، على حد سواء. ووصل عددهم، في سنة 2017، إلى 148,700 نسمة، منهم 87,000 ولدوا في إثيوبيا و61,700 ولدوا في إسرائيل لآباء ولدوا في إثيوبيا. وقد بلغ عدد المهاجرين من إثيوبيا إلى إسرائيل في السنة نفسها نحو 1467 شخصاً، منهم 37 مهاجراً يهودياً إثيوبياً جديداً، أمّا الباقون فدخلوا إسرائيل على أساس إجراءات لمّ شمل العائلات التي هاجر قسم من أبنائها في الماضي، في حين بقي قسمها الآخر في إثيوبيا ينتظر تصريحاً بالدخول إلى إسرائيل. وما زال هناك يهود في إثيوبيا يرغبون في الهجرة إلى إسرائيل، لكن هذا لا يتم لأسباب عديدة منها مماطلة وتسويف إسرائيليَين رسميين، الأمر الذي يزيد في إحباطهم وشعورهم بالرفض من المجتمع الإسرائيلي.
يقطن اليهود الإثيوبيون، في معظمهم، في منطقتين أساسيتين، فـ 38% منهم يعيشون في منطقة المركز، و24% في منطقة الجنوب. ويتزوج الإثيوبيون في سن تزيد على معدل سن الزواج بين اليهود في إسرائيل، مع أنه كان من المتوقع أن يتزوجوا في سن أصغر كما هو متبع في المجتمعات الشرقية، لكنه يبدو أن ما يؤخر زواجهم هو في الأساس الصعوبات الاقتصادية، والاضطرار إلى العمل بعيداً عن أحياء سكنهم، إذ تدل المعطيات على أن الإثيوبيين يتزوجون من ذوي الأصل نفسه (88% من المتزوجين / المتزوجات منهم تزوجوا من إثيوبيات / إثيوبيين). ونسب الطلاق بينهم أعلى كثيراً من النسبة بين اليهود في إسرائيل بصورة عامة (19 لكل ألف زيجة، في مقابل 9 لكل ألف بين اليهود بصورة عامة). وينعكس هذا المعطى على نسبة العائلات أحادية المعيل التي تُعتبر مرتفعة جداً بين الإثيوبيين، وتصل إلى 26% من العائلات، أي ما يزيد على ضعفي هذه النسبة في إسرائيل بصورة عامة.
في العام الدراسي 2016 / 2017 تقدم إلى امتحانات البغروت (التوجيهي) 91,3% من طلاب الصفوف الثانية عشرة من الطلاب اليهود الإثيوبيين، في مقابل 94,5% من الطلاب اليهود بصورة عامة في الصفوف الثانية عشرة. ونسبة الاستحقاق للحصول على شهادة اجتياز امتحان البغروت لديهم منخفضة جداً، مقارنة باليهود بصورة عامة، فهي تصل إلى 61,9% قياساً بـ 78,7%. أمّا نسبة أصحاب شهادات البغروت التي تحقق شروط القبول بالجامعات فهي لدى الطلاب من أصل إثيوبي39,7% في مقابل 68,6% بين اليهود الآخرين. وعلى الرغم من وجود ازدياد في عدد الطلاب الجامعيين الإثيوبيين (من 2372 طالباً في العام الدراسي 2011 / 2012 إلى 3291 طالباً في العام الدراسي 2017 / 2018)، فإن نسبتهم في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل تعادل 1,2% من الطلاب الجامعيين، وهي نسبة منخفضة جداً قياساً بباقي اليهود. وتفيد المعلومات الرسمية المتوفرة بأنه في سنة 2017 وصل معدل الدخل الشهري الصافي للعائلة الإثيوبية إلى 11,245 شيكلاً جديداً في مقابل 15,751 هو معدل الدخل الشهري للعائلة في إسرائيل، وهذه فجوة كبيرة ليس هناك ما يبررها. إضافة إلى ذلك ثمة فوارق في معدل الإنفاق الشهري للعائلة اليهودية الإثيوبية (7037 شيكلاً) وللعائلات الأُخرى في إسرائيل (12,792 شيكلاً)، وهو ما يدل على أن مستوى حياة العائلة الإثيوبية ما زال منخفضاً مقارنة بالآخرين.
ويُعتبر المهاجرون الإثيوبيون ذوي مؤهلات متدنية وقدرات ضعيفة لا تلائم سوق العمل الإسرائيلة، وهو ما يعرقل فرص تطور هذه الفئة الفقيرة وتقدمها. وخلافاً للمهاجرين الروس يسعى الإثيوبيون للاندماج في المجتمع الإسرائيلي، لكنهم يُقصون بعيداً بسبب لون بشرتهم، والتشكيك في انتمائهم اليهودي، وضعفهم من حيث القدرات والمؤهلات التي لا تمكنهم حتى من تشكيل مجموعة ضغط سياسية، الأمر الذي لم يتغير إلى حد بعيد على الرغم من مضي نحو عقدين على هجرتهم.
ومن أبرز مظاهر الضائقة التي يعيشها اليهود الإثيوبيون بصفتهم أضعف الفئات السكانية في إسرائيل هو عداء الشرطة لأبنائهم، والسهولة التي يتم فيها اتهامهم واعتقالهم والاعتداء عليهم، وحتى قتلهم في بعض الأحيان.
ويتضح من المعطيات أن هناك المئات بل الآلاف من الفتيان الإثيوبيين الذين تعرضوا لتحقيق الشرطة بتهم متعددة، وسُجلت ضدهم اتهامات جنائية. ويقول خبراء بمتابعة هذه الظاهرة أن أسباب فتح الملفات الجنائية ضد أبناء الإثيوبيين دون غيرهم تعود إلى تفشي العنصرية والتعامل التمييزي والخوف من أبناء ذوي البشرة السوداء، سواء في المجتمع الإسرائيلي بصورة عامة، أو في أوساط الشرطة التي تعاملهم بكثير من الريبة والعداء. ويتضح من إحصاءات نشرها طاقم رسمي لاستئصال العنصرية ضد اليهود ذوي الأصل الإثيوبي، والذي قادته المديرة العامة لوزارة القضاء في سنة 2016 أن نسبة الملفات الجنائية ضد أشخاص إثيوبيين تزيد كثيراً عن نسبتهم بين السكان، فقد كانت نسبتهم إلى السكان في سنتي 2014 و2015 نحو 1,6%، في حين كانت نسبة الملفات الجنائية ضدهم 3,5% من الملفات الجنائية كافة في هاتين السنتين.
وبالإضافة إلى التوترات بين هذه الطوائف اليهودية على أسس ثقافية وطبقية، فقد نشأت في السنوات الأخيرة مواضع خلافات إثنية ثقافية أُخرى تعود أساساً إلى الريبة التي تميّز المجتمع اليهودي في إسرائيل من الغرباء، ومن هاجس الحفاظ على الأغلبية السكانية اليهودية، ومن فكرة النقاء العرقي التي ما زالت قائمة لدى أوساط القيادات الدينية المتزمتة وبعض النخب الدينية الصهيونية المتشددة. وقد برزت بؤر التوتر هذه بشدة مع بداية تدفق أعداد من اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل قبل سنوات، وقبلها مع تزايد أعداد العمال الأجانب ومكوثهم سنوات طويلة في إسرائيل وتشكيل عائلات لهم داخلها.
وصل عدد هذه الفئة السكانية في الربع الأخير من سنة 2018 إلى 34,370 نسمة، وكانوا من الذكور البالغين في معظمهم (85%)، دخلوا إلى إسرائيل بصورة غير شرعية. وكانت هذه الظاهرة قد بدأت في تسعينيات القرن الماضي، ثم أخذت أعداد اللاجئين تزداد على نحوٍ كبير، كما يبيّن الجدول رقم 8.
إن هؤلاء اللاجئين غير الشرعيين الذين تسللوا عبر الحدود مع مصر في منطقة سيناء هم، في معظمهم، من إريتريا (72%) والسودان (20%). أمّا الباقون فأغلبيتهم من دول أفريقية أُخرى.
تقلص عدد المهاجرين الداخلين إلى إسرائيل (المتسللين) منذ سنة 2012 إلى بضع عشرات بعد أن أتمت إسرائيل بناء جدار فاصل على طول حدودها مع مصر، وبعد أن اتخذت تدابير صارمة كان هدفها ردع طالبي اللجوء من الاقتراب إلى حدودها أو تجاوزها، لأن ما سيلاقونه فيها من أوضاع صعبة ومن عدم الاعتراف بهم لا يغنيهم عمّا هم فيه.
ومن ناحية ثانية، غادر إسرائيل في السنوات الأخيرة نحو 30,000 منهم بسبب تضييقات تمارسها الجهات الرسمية وفئات واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي.
من المعروف أن اللاجئين الأفارقة يهربون من بلادهم بسبب ما يتعرضون له من ويلات الحروب الأهلية، أو نتيجة الصعوبات الاقتصادية، أو المآسي الإنسانية التي تتسبب بالموت جوعاً، أو العيش في أوضاع لا ترقى إلى الحد الأدنى الذي يليق بالإنسان. ويصل هؤلاء اللاجئون إلى مصر قاصدين الانتقال منها إلى إسرائيل أو إلى دول أُخرى. ثم يُنقلون بالحافلات والسيارات من القاهرة أو من الأماكن التي وصلوا إليها في مصر إلى ما يبعد 200 متر عن الحدود الإسرائيلية مع سيناء، حيث يستلمهم مهربو اللاجئين من المناطق الحدودية إلى داخل إسرائيل، في المناطق الصحراوية. ويضطر الفرد منهم إلى أن يدفع مبالغ كبيرة لمقاولي التهريب في مقابل نقله إلى داخل الحدود الإسرائيلية. وتفيد تقارير جمعيات حقوقية واجتماعية إسرائيلية ومنظمات أُخرى عالمية تعنى بشؤون اللاجئين بصورة عامة، واللاجئين إلى إسرائيل بصورة خاصة، بأن بعضهم تعرّض للاعتداءات والإهانات، وكان هناك حالات قتل واغتصاب ارتكبها المهربون بحق المتسللين، فضلاً عن التعذيب والخطف والاعتقال في معسكرات تعذيب خاصة في سيناء إلى حين إطلاقهم في مقابل فدية مالية باهظة، في بعض الأحيان.
ويتعرّض اللاجئون لمخاطر أُخرى على يد الجنود المصريين الذين يطلقون النار في اتجاههم لمنعهم من العبور إلى إسرائيل، ومن جانب الجيش الإسرائيلي الذي يعاملهم معاملة قاسية بعد تجاوزهم الحدود، وإن كان لا يطلق النار عليهم.
حتى سنة 2012 التي تم خلالها إدخال التعديلات على القوانين المتعلقة باللاجئين، والتي تقضي باحتجازهم في أماكن أُعدت لهذا الغرض، كان يجري نقل عشرات الآلاف منهم إلى محطة الباصات المركزية القديمة في تل أبيب، أو إلى منطقة جنوبيها، حيثُ يوزعون على أحياء جنوبية فيها، مثل: نافي شأنان؛ شبيرا؛ هتكفا؛ كريات شالوم، حيث يعيشون باكتظاظ كبير في غرف صغيرة، ويعانون جراء أوضاع معيشية قاسية،
وكان قسم منهم ينتقل إلى مدنٍ أُخرى.
عانى اللاجئون، وما زالوا يعانون، في أماكن سكناهم جراء التعامل العنصري والعداء السافر من الجيران الإسرائيليين الذين يكنون لهم كل مشاعر الاحتقار، ويرغبون في إقصائهم، ويعتبرونهم مصدر جميع الشرور التي تحيق بهم.
ولا تقتصر المواقف العنصرية والتفوهات العدائية المتعالية على سكان الأحياء التي تمتلئ باللاجئين في الأحياء الجنوبية من تل أبيب، بل إن بعض السياسيين وأعضاء البرلمان في إسرائيل، أعربوا في مرات عديدة عن مواقف ربما تزيد عنصرية وعدائية، وذلك بهدف استدرار التأييد السياسي وتحقيق بعض المكاسب أيضاً. وكان أبرز هؤلاء السياسيين وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف، من حزب الليكود، وإيلي يشاي حين كان زعيماً لحزب شاس وشغل منصب وزير الداخلية في سنة 2012، وغيرهما.
وتتلخص المواقف العنصرية ضد اللاجئين في اعتبارهم سرطاناً يتفشى في جسم الدولة والمجتمع، أو في اعتبارهم قمامة، وتهديدهم بالطرد واتهامهم باغتصاب النساء والسرقة، والتخلُّف وغير ذلك من الأوصاف التي تُذكّر بما وُصف بها اليهود في أوروبا في فترة الحكم النازي، وهي أوصاف تُجنَّدُ ضد الفلسطينيين في إسرائيل أيضاً.
ومن الممكن تلخيص ادعاءات المعادين لوجود اللاجئين في إسرائيل والمطالبين بإبعادهم في ذرائع متنوعة منها: الأمنية، والاجتماعية، والصحية، والديموغرافية.
فمثلا، يحذّر أنصار الذريعة الأمنية من قيام أعداء إسرائيل العرب والمسلمين باستغلال اللاجئين لمصلحتهم ضد إسرائيل، ويتخذون من هذا الادعاء ومن «رهاب الإرهاب» ذريعةً للتنصل من كل الالتزامات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالتعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي.
وتعتمد الذريعة الاجتماعية لإبعاد اللاجئين على الادعاء أنهم مصدر ازدياد الجريمة والعنف في أماكن وجودهم.
أمّا الذريعة الصحية فتتمحور حول الادعاءات بانتشار أمراض خطرة ومعدية، مثل السل والإيدز، بين اللاجئين والعمال الأجانب. وقد تكون هذه بسبب انتشار بعض الأمراض بنسبة أعلى قليلاً من المعدل في إسرائيل بصورة عامة، لكن وزارة الصحة والهيئات ذات العلاقة في إسرائيل تحاول نفي حقيقة أن نسب المصابين بهذه الأمراض بين اللاجئين والعمال الأجانب هي نسب مُنخفضة نسبياً.
وأخيراً تعيدنا الذريعة الديموغرافية إلى أن إسرائيل هي دولة قومية لليهود ولها نسيج اجتماعي خاص، ويجب من أجل الحفاظ على هاتين الميزتين السعي للحفاظ على أكثرية يهودية كبيرة، ولذلك نظراً إلى أن في إسرائيل أقلية عربية كبيرة فهناك ما يبرر رفضها استيعاب مهاجرين أو لاجئين ليسوا يهوداً،
وهو ما يعني ضرورة التخلص من اللاجئين الأفارقة.
لعل التسمية التي أطلقتها الجهات الرسمية ووسائل الإعلام على ظاهرة لجوء الأفارقة إلى إسرائيل تكشف الكثير، وتدل على المكانة القانونية لطالبي اللجوء السياسي واللاجئين من إريتريا والسودان وغيرهما من الدول الأفريقية في إسرائيل. فاعتبار هؤلاء متسللين، متجاوزين للحدود بشكلٍ يتنافى مع القانون الإسرائيلي، يدل على محاولة إسرائيلية للتنصل من الالتزامات بشأن التعامل مع اللاجئين. ومنذ سنة 2009، سعى العديد من هؤلاء اللاجئين للحصول على حق اللجوء في إسرائيل بحسب الاتفاقية التي وضعتها الأمم المتحدة بشأنهم، إلاّ إن معظم هذه الطلبات لم يحظَ بالاهتمام المطلوب، ولم يُفحص، وبقي عدد الذين حصلوا على مكانة لاجئ صغيراً جداً. ومن ناحية ثانية، لا يجوز، بموجب القانون الدولي، ونزولاً عند إصرار منظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية، وبحسب رأي المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ترحيل معظم اللاجئين من الأفارقة بسبب الأوضاع الداخلية الصعبة في إريتريا وفي جنوب السودان، وما قد ينجم عنها من تهديد لحياتهم إذا تمت إعادتهم إلى بلادهم.
تمنح إسرائيل هؤلاء «حماية إنسانية موقتة»، وهي تتلخص في إعطائهم إذناً بالإقامة الموقتة بإسرائيل، يجري تجديده كل ثلاثة أشهر. ولا يشمل هذا الإذن بالإقامة الموقتة إذناً ضمنياً للعمل، لكن الدولة التزمت أمام محكمة العدل العليا ألاّ تمنع تشغيل أصحاب هذا الإذن إلى حين تنتهي من تخطيط وبناء مركز لحجز اللاجئين على الحدود مع مصر، إلى حين إعادة ترحيلهم. ومن أجل أن تتفادى إسرائيل الضغط الدولي والنقد الذي يوجّه إليها بسبب عدم استعدادها استيعاب اللاجئين ونيتها الظاهرة التخلص منهم عندما تسنح فرصة لذلك، تؤكِد إسرائيل أن كثيرين منهم هم مواطنون في دول معادية، ولذلك فإن لها الحق في عدم قبولهم ومنحهم إذناً للإقامة بإسرائيل.
ويشار إلى أن إسرائيل ترفض منهجياً منح مكانة لاجئين لطالبي لجوء من العالم لأي سبب كان. ويُستدل من معطيات متوفرة في هذا الشأن، على أنه وُوفق على عدد صغير جداً لا يذكر من مجمل طلبات اللجوء التي قُدِّمت من اللاجئين الأفارقة وغيرهم.
حتى نهاية سنة 2013 احتُجز آلاف اللاجئين في سجن سهرونيم، في أوضاع صعبة جداً، بموجب قانون منع التسلُّل الذي نص أحد بنوده على أن من حق الدولة احتجاز اللاجئين غير الشرعيين مدة ثلاث سنوات على الأقل. وفي كانون الأول / ديسمبر 2013 قبلت محكمة العدل العليا التماس طالبي اللجوء من إريتريا، مثلما قبلت منظمات حقوق إنسان في إسرائيل، فأُطلق المحتجزون في سجن سهرونيم، وأُعلن عدم دستورية بندين من القانون المذكور. وهكذا في أعقاب هذا القرار سارعت الحكومة إلى إدخال تعديل جديد على القانون ينص على استبدال احتجاز اللاجئين في سجن عادي، باحتجازهم في محطة اعتقال مفتوحة، لا تختلف كثيراً عن السجن. وقد أقامت الحكومة محطة الاعتقال حولوت بتكلفة مقدارها 323 مليون شيكل، إضافة إلى ما يزيد على 100 مليون شيكل تُصرف سنوياً على إدارة هذا السجن البديل الذي يُحتجز فيه آلاف اللاجئين الذين اضطروا إلى ترك أماكن عملهم وسكناهم والابتعاد عن أصدقائهم ومعارفهم. وقد احتُجز في محطة حولوت خلال الفترة منذ سنة 2013 نحو 13,000 طالب لجوء أفريقي لفترة زمنية غير محدودة في أوضاع قاسية وحرمان من أبسط الحقوق، بهدف إقناعهم بتقديم طلب لمغادرة إسرائيل.
في سنة 2018 قررت حكومة إسرائيل إغلاق محطة حولوت هذه والعمل جدياً على طرد أكبر عدد من طالبي اللجوء «المتسللين» إلى دول أفريقيا. ومنذ ذلك الوقت انتقل عدد من اللاجئين إلى سجن سهرونيم المذكور لفترة احتجاز غير محدودة، بينما سُمح للآخرين بالعمل في أنحاء إسرائيل مع فرض قيود على حركتهم تمنعهم من العمل في مدن فيها تركيز كبير للاجئين الأفارقة، مثل تل أبيب والقدس وغيرهما.
يتبع