أما بالنسبة للشعب المصري نفسه، فتقول سناء المصري في كتابها
هوامش الفتح العربي إنهم انقسموا إلى فرقتين، الأولى دعمت الغازي القديم (الرومان) ضد الغازي الجديد (العرب)، أما الثانية فرفضت إلا التحرر من كليهما. وكما يخبرنا يوحنا النقيوسي أيضاً في مخطوطته التي حققها عبد العزيز جمال الدين، أنّ الأقباط لم يساعدوا العرب، على عكس الشائع إلا بمساعدات قليلة جداً، وفي أمور محدودة، لم يكن معظمها بناءً على رغبتهم.
فبحسب النقيوسي، أن عمرو بن العاص عندما استولى على الفيوم، أرسل إلى أباكيري حاكم مدينة دلاص، ليأتي إليه بسفن من الريف لتنقل الجنود إلى شرق النيل من غربه، كما أرسل إلى جيورجيس الوالي، ليشيد له قنطرة عند النهر بمدينة قليوب ليستولي على كل مدن مصر ومدينة أتريب. ويذكر النقيوسي أن عمرو سخّر العمال المصريين. أما يوحنا رئيس مدينة دمياط فقام بجمع الضرائب من المدينة وإرسالها إلى عمرو بن العاص، لأنه أدرك عدم قدرته على مقاومة العرب.
متى بدأ الأقباط يثورون ضد حكم العرب؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب بداية التيقن من أنّ سبب غزو مصر، كان لنشر الإسلام، ولكن بالدرجة الأولى، لزيادة الموارد المالية للدولة الوليدة، وشكلت مصر،دون شكّ، هدفاً مغرياً لكثرة مواردها، فقد كانت منفردة مصدر قمح الإمبراطورية الرومانية، بحسب ما ذكره فكري أندراوس في كتابه
المسلمون والأقباط في تاريخ مصر.
كما تذكر سناء المصري إنه بالرغم من سخط عمر بن الخطاب على عمرو بن العاص بسبب تكوينه ثروة من وجوده في مصر، إلا أنه كان يطالبه بزيادة الخراج والحرض على تحصيل الجزية، وجمع كل مايستطيع من خيرات مصر. ويذكر عبد العزيز نفس الفكرة، نقلاً عن المقريزي، في قول عمرو بن العاص للمصريين في هذا الشأن "أنتم خزانة لنا".
ونجد في وقائع الغزو كما يذكرها النقيوسي أن عمرو بن العاص، بعد استيلائه على العديد من المدن، زاد الضرائب على المصريين فيها ثلاثة أضعاف مما كان يتحصله الرومان، ذلك إلى جانب أعمال السلب والنهب. أما الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك فنجده يقول لمتولي خراج مصر، أسامة بن زيد التنوخي، "احلب الدر حتى ينقطع، واحلب الدم حتى ينصرم"، كما ورد في كتاب
هوامش الفتح العربي لسناء المصري، نقلاً عن
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
كما تضيف تعليقاً بهذا الخصوص من نفس المصدر: "ولم تزلْ ملوكُ مصر من عمرو بن العاص إلى وقتنا هذا، يجمع كل واحد منهم أموالاً عظيمة لا تدخل تحت الحصر. وكذا الأمراء والوزراء والمباشرين على اختلاف طبقاتهم كل منهم يأخذ أموالاً لا تحصى في حياته".
ثورات المصريين
دائماً ما يُغفل ذكر ثورات المصريين، غير أن الثابت من أوراق التاريخ ومخطوطاته الأصلية، إن كل من جاء مصر بقوة السلاح لم يأمَنْ من ثورات المصريين المتكررة. فثار المصريون على اليونان مرات متعددة حتى استطاعوا تحرير طيبة وإبقائها تحت حكم ملكين مصريين متعاقبين، هم أرماخيس وأنخماخيس، بحسب كتاب
ثورات المصريين حتى عصر المقريزي.
كما واجه المصريون الرومان في ثورات مختلفة، استطاعوا تحقيق نصر مؤقت في بعضها. أما في حكم العرب، فقد اختلف المؤرخون عن أولى حركات التمرد ضد العرب. فبينما يحدد بعضهم ثورة 107هـ/726م، كأولى الثورات، فإن عبد العزيز جمال الدين في كتابه "
ثورات المصريين حتى عصر المقريزي"، يذكر عن المقريزي أن أولى الثورات –والتي لم يحدد زمانها- حدثت عندما ثارت مدن عدة من شمال الدلتا منها إخنا ورشيد والبرلس ودمياط وخيس وبلهيب وسخا وسلطيس وفرطسا وتنيس وشطا، بقيادة شخصين هما "مينا" و"قزمان".
أما ثورة سنة 107هـ/726م، تمّت في عهد هشام بن عبد الملك، عاشر خلفاء بني أميّة (حكم بين عامي105هـ/724م و125هـ/743م). وبحسب الكتاب الذي نقل عنه عبد العزيز في كتابه
ثورات المصريين، قام الحبحاب والي الخراج بزيادة الخراج ديناراً على كل قيراط، فثارت بعض كور مصر مثل تنور وقربط وطرابية وعامة الحوف الشرقي، فبعث إليهم الوالي الحرّ بن يوسف فحاربهم وقتل منهم الكثيرين. ويكمل عبد العزيز في كتابه أنّه في بداية حكم الوالي عبد العزيز بن مروان فرضت الجزية لأول مرة على الرهبان، وتمّ إحصاؤهم وتمّ دفع ضرائب على الكنائس والأديرة، بالإضافة إلى التدخل في اختيار البطاركة، وكان الهدف سياسياً لإضعاف القوة الروحية للبطريرك، ولو رمزياً، بجعله بمثابة موظفٍ.
نتيجة لما سبق وتعسف الولاة وإهمال مصر قلت موارد مصر المالية، ولكن لم يهتم الحكام حتى جاءت سنة 121هـ/ 739م، حين انتفض أقباط الصعيد، ولكنهم حُوربوا وقتل منهم كثيرون؛ وتبعهم أقباط رشيد، فجاءهم مروان بن محمد وقتل منهم كثيرين وقبض على البطريرك ميخائيل وألزمه بالمال، ذلك بحسب
هوامش الفتح العربي، لسناء المصري